الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[229/ 4] الخمر إذا تخللت من ذاتها فهي حلال
.
• المراد بالمسألة: من كان لديه عصير عنب أو تمر أو غيره، وكان ذلك العصير قد تخمَّر، ثم تحوَّل هذا الخمر بنفسه، حتى صار خلًا، فإنه ينقلب حكمه من النجاسة إلى الطهارة، ومن تحريم طعامه إلى الحل، سواء كان العصير قد عصَرَه لقصد الخمر، أو لقصد الخل.
ويتبيَّن مما سبق أنه إن كان تخلله ليس بنفسه، بل بفعل آدمي كأن وضع فيه ملحًا، أو مادة أخرى تحوله إلى خل، أو حوَّله من مكان الظل إلى الشمس، ونحو ذلك من طرق تخليل الخمر، فكل ذلك غير مراد في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "بالإجماع على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها طهرت وطابت"(1). وقال ابن رشد الجد (520 هـ): "لا اختلاف في أن الخمر إذا تخللت تؤكل"(2).
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الخمر إذا انقلبت خلا من غير معالجة الآدمي طهرت"(3). وقال الكاساني (587 هـ): "إذا تخللت بنفسها يحل شرب الخل بلا خلاف"(4).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها"(5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فأما إذا انقلبت بنفسها فإنها
= منه ما يبلغ به حد الإسكار، وما دون ذلك فليس بمحرّم ولا يجب به الحد؛ لأنه ليس بالخمر الوارد في الكتاب والسنة.
أما الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة فيرون أن الخمر يطلق على كل مُسكر، فعلى هذا فهم يرون أن الخمر من التمر أو الذرة أو غيره يحرم شرب قليله، ولو قطرة منه، ويجب به الحد، ولو لم يحصل به الأسكار.
(1)
التمهيد (1/ 145).
(2)
البيان والتحصيل (9/ 356).
(3)
الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 30).
(4)
بدائع الصنائع (10/ 452).
(5)
بداية المجتهد (1/ 383).
تطهر وتحل في قول جميعهم" (1).
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "وإن تخللت الخمر طهرت وحلت، وهذا إجماع"(2). وقال النووي (676 هـ): "إذا انقلبت بنفسها خلا فيظهر عند جميعهم إلا ما حكي عن سحنون المالكي أنه قال لا يطهر"(3) ونقله عنه الحصني (4).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "فأما الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلًا فإنها تطهر لا نعلم في ذلك خلافًا"(5) ونقله عنه إبراهيم ابن مفلح (6). وقال القرافي (684 هـ): "فأما لو خللت بنفسها مع العلم بتحريمها فلا خلاف في جواز أكلها"(7).
وقال ابن تيمية (728 هـ): "فإذا تخللت بفعل اللَّه من غير قصد لتخليلها كانت خل خمر حلالًا طاهرًا باتفاق العلماء"(8). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "فإن تخللت بنفسها من غير تسبب لها في ذلك فهي حلال إجماعًا"(9).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الظاهرية (10).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير
(1) المغني (9/ 146).
(2)
العدة شرح العمدة (442).
(3)
شرح النووي (11/ 3).
(4)
انظر: كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (73).
(5)
الشرح الكبير (1/ 294).
(6)
انظر: المبدع (1/ 242).
(7)
الذخيرة (4/ 118).
(8)
مجموع الفتاوى (29/ 331)، وقال أيضًا (22/ 181):"اتفقوا جميعهم أن الخمر إذا استحالت بفعل اللَّه سبحانه فصارت خلا طهرت".
وممن نقل الإجماع أيضًا وهبة الزحيلي في "التفسير المنير"(7/ 46) حيث قال: "إن تخللت الخمر بنفسها طهرت وجاز أكل الخل باتفاق الفقهاء".
(9)
أضواء البيان (1/ 59).
(10)
انظر: المحلى (1/ 133).
خلِّكم خلُّ خمركم) (1).
الدليل الثاني: أن العلة من تحريم الخمر هو الإسكار، وإذا صار الخمر خلًا زالت هذه العلة من غير نجاسة خلفتها، فيرجع الحكم إلى الأصل وهو الطهارة، كالماء الذي يتنجس بالتغيير إذا زال تغييره بنفسه (2).
الدليل الثالث: أن العصير غالبًا لا يمكن تحصيل الخل منه إلى بعد التخمر، فالقول بعدم طهارة الخمر إذا صار خلًا بنفسه يفضي إلى تعذِّر اتخاذ الخل (3).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الخمرة لا تطهر مطلقًا، حتى لو تخللت بنفسها. وهو قولٌ للحنابلة (4)، وبه قال سحنون من المالكية (5).
(1) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(4/ 434)، من طريق مغيرة بن زياد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه. والحديث ضعفه جمع من أهل العلم منهم البيهقي حيث قال بعد تخريجه:"تفرد به مغيرة وليس بالقوي". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(21/ 485): "أما ما يروى: (خير خلكم خل خمركم) فهذا الكلام لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن نقله عنه فقد أخطأ، ولكن هو كلام صحيح".
وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/ 292): "حديث واه من رواية مغيرة بن زياد عن أبي الزبير عن جابر يرفعه. . . ومغيرة هذا يقال له أبو هشام المكفوت صاحب مناكير عندهم، ويقال: إنه حدث عن عطاء بن أبي رباح وأبي الزبير بجملة من المناكير".
وذكر ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف"(1/ 111) أنه لا أصل له، وذكره الصغاني في "الموضوعات"(23)، وقال الألباني في "ضعيف الجامع الصغير":"ضعيف جدًا". فالحديث ضعيف السند، صحيح المعنى، واللَّه تعالى أعلم.
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (10/ 107)، الشرح الكبير (1/ 294).
(3)
انظر: الإقناع في حل ألفاظ بني شجاع للشربيني (1/ 94)، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (73)
(4)
انظر: الفروع (1/ 243)، الإنصاف (1/ 319).
(5)
نسبه إليه النووي في المجموع (2/ 596)، وفي شرح مسلم (11/ 3)، وإن كان بعض المالكية يرون أن قول سحنون إنما هو الخمر إذا خُللت بفعل آدمي، أما إن تخللت بنفسها فهي طاهرة، كما نبه على ذلك القرافي في الذخيرة (4/ 118).