الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: أن الخلاف قد ورد عن علي رضي الله عنه أنه لا يرى الجلد بمجرَّد الرائحة، وكذا عن عبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنهما إنما يرى الجلد بالرائحة مع القرينة، فدعوى عدم المخالف غير محققة.
الثاني: أن دعوى كون عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم رأوا الجلد بمجرَّد الرائحة والقيء منازع فيها، فأما أثر عمر رضي الله عنه فإنه قد جاء في بعض الروايات أن عمر رضي الله عنه إنما جلده بموجب إقراره (1).
وأما أثر عثمان رضي الله عنه فإنه إنما أقامه بشهادة حمران أنه رآه يشربها، فكان الجلد لا بموجب القيء، وإنما لما اعتضد معها من شهادة حمران بالرؤية.
وأما أثر ابن مسعود رضي الله عنه فليس صريحًا في أن ابن مسعود رضي الله عنه أقام الحد بموجب الرائحة، كما قال النووي بعد ذكره للحديث:"ويحمل أيضًا أن الرجل اعترف بشرب خمر بلا عذر"(2).
[242/ 4] لا تُقبل شهادة النساء في إثبات حد الخمر
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد شرب الخمر، وكان ثبوته بموجب الشهادة، فإنه يشترط أن يكون الشهود كلهم رجال، ولا تصح شهادة النساء.
وهنا ينبه إلى أمرين: الأول: لو ثبت الحد بالإقرار، كأن أقرت المرأة على نفسها بشرب الخمر، فغير مراد.
الثاني: إن كان موجب الحد وقع في مجمع نسائي محض، كالحمام، فعدم قبول شهادة النساء حينئذٍ غير مراد.
(1) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(9/ 228)، وقد حقق هذا المعنى الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 50).
(2)
شرح النووي (6/ 88).
• من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "ويثبت الشرب بشهادة شاهدين، ويثبت بالإقرار مرة واحدة. . . ولا تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، ولا نعلم في ذلك خلافًا"(1).
ويضاف إلى ذلك ما سبق من النقولات في الإجماع على عدم قبول شهادة النساء في الحدود (2).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (3).
الدليل الثاني: قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (4).
• وجه الدلالة: في الآية إشارة إلى أن الشهادة خاصة بالرجال العدول، لأنه جاء بها بلفظ التذكير (5).
الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال:(يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أريتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم يا رسول اللَّه؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللَّه؟ قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ ) قلن: بلى، قال:(فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ) قلن: بلى، قال:(فذلك من نقصان دينها)
(1) فتح القدير (5/ 312).
(2)
انظر: المسألة رقم 36 بعنوان: "لا تقبل شهادة النساء في الحدود".
(3)
سورة البقرة، آية (282).
(4)
سورة الطلاق، آية (2).
(5)
انظر: الحاوي الكبير (17/ 12).
متفق عليه (1).
• وجه الدلالة: في الحديث أن شهادة النساء عُرضة للخطأ، وهي ناقصة عن شهادة الرجال، وهذا نوع شبهة، وجلد شارب الخمر من جملة الحدود التي تدرأ بالشبهات (2).
الدليل الرابع: قال الزهري: "مضت السنة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده ألا تجوز شهادة النساء في الحدود"(3).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى جواز شهادة النساء في حد شرب الخمر. وبه قال طاووس، وعطاء، وحماد بن أبي سليمان، والظاهرية (4).
• دليل المخالف: استدل القائلون بقبول شهادة النساء في الخمر بما يلي:
الدليل الأول: القياس على الأموال، فكما تُقبل شهادة النساء فى الأموال، فكذا الخمر (5).
الدليل الثاني: أن الأصل استواء الرجال والنساء في الأحكام، ولا يوجد نص صريح صحيح يخرج النساء عن قبول شهادتهن في الحدود.
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف عطاء وطاووس وابن حزم، ولذا حين ذكر ابن رشد المسألة قال:"فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات"(6)، فنسبه للجمهور، ولم يذكره إجماعًا.
(1) أخرجه البخاري رقم (289)، ومسلم رقم (80).
(2)
انظر: المبسوط (16/ 142).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 544).
(4)
المحلى (8/ 476).
(5)
انظر: الحاوي الكبير (17/ 12).
(6)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 465).