الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبيدة رضي الله عنه أن يجلد من شرب الخمر ثمانين، وهو بالشام، وهو من الثغور (1).
الدليل الثاني: أن الثغور من بلاد الإسلام، فيقام فيها الحد كغيرها من بلاد الإسلام (2).
الدليل الثالث: أن من مقصود شرعية الحدود الزجر والردع، والحاجة داعية إلى زجر من بالثغور بالحدود، كالحاجة إلى زجر غيرهم (3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[6/ 1] عدم إقامة الحدود في المساجد
• المراد بالمسألة: لو ثبت الحد على شخص، فإن الحد لا يقام عليه في المسجد الذي تقام في الفروض.
والمراد نقل الإجماع على المنع من إقامة الحد في المسجد، بغض النظر عن النهي في ذلك هل هو للتحريم فيأثم فاعله، أو هو للكراهة فلا يأثم فاعله.
ويتبين مما سبق أن الحد لو كان في مصلى معد لغير الفروض، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: ابن القطان (628 هـ): "أجمع الفقهاء أنه لا ينبغي للحاكم أن يضرب حدًا أحدًا في المسجد، إلا ابن أبي ليلى، فإنه أباحه وفعله"(4).
القرطبي (671 هـ): "لا تقام الحدود فيه -أي المسجد- إجماعًا"(5).
وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا يقام حد في مسجد بإجماع الفقهاء"(6)
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى رقم (18227) من حديث طويل.
(2)
انظر: المغني (9/ 248)، الشرح الكبير (10/ 153).
(3)
انظر: المغني (9/ 248)، الشرح الكبير (10/ 153).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 255).
(5)
تفسير القرطبي (15/ 164).
(6)
فتح القدير (5/ 235).
ونقله عنه ابن يونس الشلبي (1)(2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية في غير الجلد (5).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا تقام الحدود في المساجد)(6).
الدليل الثاني: عن حكيم بن حزام (7) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد (8). . .
(1) هو أحمد بن يونس بن محمد، أبو العباس شهاب الدين، المعروف بابن الشلبي، الفقيه الحنفي، المصري، من كتبه:"حاشية على تبيين الحقائق"، و"الدرر الفرائد"، توفي بالقاهرة سنة (947 هـ). انظر: شذرات الذهب: 8/ 267، الأعلام 1/ 276؛ هدية العارفين 1/ 153.
(2)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 171).
(3)
انظر: الأم (7/ 172)، أسنى المطالب (4/ 161)، مغني المحتاج (5/ 522). ونسب السرخسي في المبسوط (16/ 107) إلى الشافعي القول بجواز إقامة الحدود في المساجد، وهذا فيه نظر، ولا يصح، فإن الشافعي مع الجمهور في القول بمنع ذلك كما هو منصوص كتبهم.
(4)
انظر: المغني (9/ 143)، الفروع (4/ 635)، الإنصاف (10/ 155).
(5)
انظر: المحلى (12/ 11).
(6)
أخرجه الترمذي (1401)، وابن ماجه رقم (2599)، قال الترمذي:"هذا حديث لا نعرفه بهذا الإسناد مرفوعا إلا من حديث إسماعيل بن مسلم، وإسماعيل بن مسلم المكى قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه".
(7)
هو أبو خالد، حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي، ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ولد في الكعبة، كان من سادات قريش في الجاهلية والإسلام، وكان صاحب صدقة وصلة، وكان صديق النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، أسلم عام الفتح وكان من المؤلفة، وشهد حنينًا وأعطي من غنائمها مائة بعير، ثم حسن إسلامه، فعاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة، مات بالمدينة سنة (54) هـ. انظر: البداية والنهاية 8/ 68، الإصابة 2/ 2112، تهذيب التهذيب 2/ 447.
(8)
أي فلا يطلب القود، وهو القصاص.
فيها) (1).
• وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان في النهي عن إقامة الحدود في المساجد.
الدليل الثالث: أنه مروى عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، فعن عمر رضي الله عنه أنه أُتي برجل في حد فقال:"أخرِجاه من المسجد، ثم اضرباه"(2).
وكذا جاء نحوه عن علي رضي الله عنه (3)، لكن في سنده مقال، كما قاله ابن حجر (4).
• وجه الدلالة: أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبى طالب رضي الله عنهما كل منهما أمر بإخراج الرجل من المسجد لإقامة الحد عليه، وهو دليل على أنه متقرر عندهم النهي عن إقامتها فيه، وإلا لو كان جائزًا لما أمر عمر رضي الله عنه
(1) أخرجه أحمد (24/ 344)، وأبو داود، كتاب رقم (4490). وفي سنده العباس بن عبد الرحمن المدني، ترجم له الحسيني في "الإكمال"(226) بأنه "مجهول"، وأخرجه ابن ماجه أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رقم (2600)، وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف. والحديث له شاهد من حديث ابن عباس السابق عند الترمذي رقم (1401)، وابن ماجه رقم (2599)، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي.
وقد اختلف أهل العلم في تصحيح الحديث وتضعيفه فقال البزار في "مسنده"(8/ 374)"هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناد متصل عنه".
أما الحافظ ابن حجر فذكر رواية حكيم ابن حزام في "تلخيص الحبير"(4/ 146) ثم قال: "ولا بأس بإسناده"، وحسن الألباني الحديث باعتبار الشواهد، كما في "إرواء الغليل"(7/ 361).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 535)، وعبد الرزاق في المصنف (1/ 436)(10/ 23)، وابن حزم في المحلى (12/ 11)، وصححه ابن حزم في "المحلى" فقال:"هذا خبر صحيح"، وقال ابن حجر في فتح الباري (13/ 157):"سنده على شرط الشيخين".
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 535).
(4)
انظر: فتح الباري (13/ 157).
بإخراجه من المسجد.
الدليل الرابع: أن إقامة الحد لا يؤمن منه تلويث المسجد، من دمٍ ونحوه، والشارع أمر بتطييب المساجد وتطهيرها، كما في قوله تعالى:{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1)(2).
الدليل الخامس: أنه لا يؤمن من إقامة الحد في المسجد أن يرفع المحدود صوته في المسجد، وقد نهي عن ذلك (3).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: يجوز إقامة جميع الحدود في المساجد.
وبه قال ابن أبي ليلى (4)، وهو مروي عن الحسن البصري (5)، وشريح،
(1) سورة البقرة، آية (125).
(2)
انظر: المحلى (12/ 11)، أسنى المطالب (4/ 161).
(3)
انظر: المبسوط (9/ 101 - 102)، بدائع الصنائع (7/ 60)، المغني (9/ 143).
ومما ورد في النهي عن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت في المساجد، رقم (458) عن السائب بن يزيد قال: كنت قائمًا في المسجد، فحصبني رجل، فنظرتُ، فإذا عمر بن الخطاب، فقال:"اذهب فاتني بهذين"، فجئته بهما، قال:"من أنتما أو من أين أنتما؟ " قالا: من أهل الطائف، قال:"لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما؛ ترفعان أصواتكما في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم". قال ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 561): "قوله: (لأوجعتكما) زاد الإسماعيلي: (جلدًا) ومن هذه الجهة يتبيَّن كون هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأن عمر لا يتوعدهما بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي".
(4)
انظر: الأم (7/ 172)، أحكام القرآن للجصاص (3/ 388).
(5)
هو أبو سعيد، الحسن بن أَبي الحسن البصرى، إمامُ أهل البصرة في زمانه، قال ابن سعد:"كان جامعًا، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، حجةً، مأمونًا، عابدًا، ناسكًا، كثير العلم، فصيحًا، جميلًا وسيمًا"، وقال العجلي:"تابعي ثقة، رجل صالح، صاحب سنة"، وقال ابن حجر:"ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس"، ولد بالمدينة سنة (21 هـ)، ورأى عشرين ومائة من أصحاب النبي رضي الله عنه، وتوفي سنة (112 هـ). انظر: معرفة الثقات للعجلي 1/ 292، العبر في خبر من غبر 1/ 136، تهذيب التهذيب 2/ 231.
والشعبي (1)(2).
القول الثاني: يجوز إقامة حد الجلد في المسجد فقط، أما غيره من الحدود فلا يجوز. وبه قال ابن حزم الظاهري (3).
• دليل المخالف: استدل القائلون بجواز إقامة الحد في المسجد بما يلي:
الدليل الأول: أن الأصل هو الإباحة، حتى يرد الدليل على المنع، وقد قال تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (4).
فلو كان إقامة الحدود بالجلد في المساجد حرام لفصَّل اللَّه لنا ذلك مبينًا في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (5).
الدليل الثاني: أن إقامة الحد قربة وطاعة، والمساجد أُعدت للقرب والطاعات (6).
الدليل الثالث: أن إقامة الحد هو من جملة ما يجب على القاضي فعله في القضاء، وإذا كان له أن يجلس في المسجد للقضاء كان له أن يتم القضاء بإقامة الحدود فيها (7).
(1) هو أبو عمرو، عامر بن شراحيل الشعبي، الحميري، الكوفي، من شعب همدان، ثقة مشهور، فقيه، فاضل، روى عن جملة من الصحابة، ولد في وسط خلافة عمر بن الخطاب، قال أحمد بن عبد اللَّه العجلي:"مرسل الشعبي صحيح ولا يكاد يرسل إلا صحيحًا"، وقال الشعبي:"أدركت خمسمائة من الصحابة أو أكثر"، وقال:"ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي"، مات سنة (104 هـ). انظر: الوفيات للبغدادي 1/ 244، البداية والنهاية 9/ 49، تذكرة الحفاظ 1/ 74 - 80.
(2)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (6/ 536)، مصنف عبد الرزاق (1/ 463)(10/ 23).
(3)
انظر: المحلى (12/ 11). وبهذا يظهر أن خلاف ابن حزم خاص بحد الزاني غير المحصن، والقذف وشر الخمر، إذ هذه هي الحدود التي يجب بها الجلد.
(4)
سورة الأنعام، آية (119).
(5)
انظر: المحلى (12/ 11).
(6)
انظر: المبسوط (16/ 107).
(7)
انظر: المرجع السابق.