الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
يظهر واللَّه أعلم أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الشافعية.
ومن حكى الإجماع إما أنه لم يعتبر قول المخالف، أو أراد الإجماع المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم.
[102/ 43] ولد الزنا لا تقبل شهادته في الزنا
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الزنا على شخص بموجب الشهادة، وكان الشهود الأربعة أو واحدًا منهم ولد زنا، فإن الشهادة تُرد، ولا يُقام الحد على المشهود عليه.
ويتبيَّن مما سبق أن شهادة ولد الزنا في غير الزنا غير مرادة.
• من نقل الإجماع: قال القرطبي (671 هـ): "اتفقوا على ولد الزنا أن شهادته لا تجوز في الزنا"(1).
• مستند الإجماع: علل القائلون بعدم جواز شهادة ولد الزنا على الزنا بالتهمة، وهي شبهة تدرأ بها الحدود.
ووجه التهمة في ذلك من جهة أن ولد الزنا متهم بالحرص على التأسي ووجود من يكون مثله في كونه ولد زنا، كما قيل:"ودت الزانية لو أن النساء كلهن يزنين"(2)، وذلك حتى يشتهر الزنا ويصير كالنكاح، فلا معرة تلحقه فيما ينشأ عنه (3).
(1) تفسير القرطبي (12/ 180).
(2)
ذكره بعض الفقهاء عن عثمان رضي الله عنه منهم الخطابي في "معالم السنن"(4/ 80) وابن قدامة في "المغني"(10/ 190) وغيرهم، ولم أجده في شيء من كتب التخريج، ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر أنه قال:"إنني لا أعلم ما ذكر عن عثمان ثابتًا عنه، وأشبه ذلك أن لا يكون ثابتًا عنه"، واللَّه أعلم.
(3)
انظر: التاج والإكليل (8/ 179)، حاشية الدسوقي (3/ 173).
• المخالفون للإجماع: ذهب جمهور أهل العلم إلى قبول شهادة ولد الزنا في الزنا. وهو مذهب الحنفية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3)، والظاهرية (4).
• دليل المخالف: الدليل الأول: عموم النصوص الشرعية في قبول العدل قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (5).
• وجه الدلالة: أن الآيات عامة في قبول شهادة العدل، ولم يُفرق بين ولد الزنا وغيره، وولد الزنا لم يفعل ما يستوجب عليه الفسق (6).
الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (7).
• وجه الدلالة: أن ولد الزنا لم يفعل أمرًا قبيحًا، ولا يؤاخذ بما فعل والداه (8).
الدليل الثالث: قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} (9).
• وجه الدلالة: أن اللَّه جعل من لم يُعرف أبوه إخوة لنا، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا (10).
(1) انظر: بدائع الصنائع (6/ 269)، تبيين الحقائق (4/ 226)، العناية شرح الهداية (7/ 422).
(2)
انظر: الأم (6/ 226)، أسنى المطالب (4/ 356).
(3)
انظر: المغني (10/ 190)، دقائق أولي النهى (3/ 595)، مطالب أولى النهى (6/ 622).
(4)
انظر: المحلى (8/ 259).
(5)
سورة الطلاق، آية (2).
(6)
انظر: المغني (10/ 190)، كشاف القناع (6/ 427)، دقائق أولي النهى (3/ 595).
(7)
سورة الأنعام، آية (164).
(8)
انظر: بدائع الصنائع (6/ 269).
(9)
سورة الأحزاب، آية (5).
(10)
انظر: المحلى (8/ 259).
الدليل الرابع: أنه وُلِد عدل مقبول الشهادة في غير الزنا بالاتفاق، فيقبل في الزنا كغيره (1).
الدليل الخامس: أن فسق الأبوين بالزنا لا يربو على كفرهما، وكفرهما غير مانع لشهادة الولد ولا موجب لفسقه، ففسقهما أولى (2).
الدليل السادس: أن ولد الزنا تقبل شهادته في القتل، ففي الزنا من باب أولى (3).
الدليل السابع: أن الزاني تقبل شهادته إذا تاب وهو فاعل الذنب، فقبول شهادة الولد من باب أولى؛ إذ لا يجوز أن يلزم الولد من الوزر أكثر مما لزم الأب (4).
الدليل الثامن: أن ولد الزنا تقبل روايته فكذلك تقبل شهادته (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ بل الجمهور على قبول شهادة ولد الزنا، ولعل مراد القرطبي بالاتفاق على عدم قبول شهادة ولد الزنا في الزنا هو اتفاق المذهب المالكي على ذلك، واللَّه تعالى أعلم (6).
(1) انظر: المغني (10/ 190)، دقائق أولي النهى (3/ 595)، المحلى (8/ 259). وشهادة ولد الزنا في غير الزنا اتفق عليه الفقهاء حتى المالكية، وإنما منع المالكية من قبول شهادتهم في الزنا خاصة.
(2)
انظر: فتح القدير (7/ 422)، العناية شرح الهداية (7/ 422).
(3)
انظر: المغني (10/ 190).
(4)
انظر: المغني (10/ 190).
(5)
انظر: كشاف القناع (6/ 427).
(6)
وقد حكى بعض فقهاء المالكية اتفاق المذهب المالكي على ذلك قال الخرشي في التاج والإكليل (8/ 179)"قال المازري: لم يختلف المذهب في رد شهادة ولد الزنا في الزنا"، وقال الخطاب في مواهب الجليل (6/ 161)"اتفق المذهب على رد شهادته في ذلك انتهى، وتَبع في الاتفاق ابن الحاجب، وهذه طريقة المازري".