الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيشمل حد الجلد (1).
الدليل الثاني: عن علي رضي الله عنه أنه أتي برجل سكران، أو في حد، فقال:"اضرب، وأعط كل عضو حقه، واتق الوجه والمذاكير (2) "(3).
الدليل الثالث: أن الوجه هو مجمع المحاسن، وفيه المنافع التي هي ضرورية للإنسان، كالبصر، والشم، والتنفس، والأسنان، واللسان، والضرب في الوجه قد يؤدي إلى تلفها (4).
الدليل الرابع: أن الغرض من الجلد في الحدود الزجر والردع، لا الإتلاف، وبضرب المقاتل لا يؤمن أن يحدث معه إتلاف، وهو أكثر مما هو مستحق بالفعل (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[51/ 1] الجلد في الحدود لا يكون إلا بالسوط، باستثناء حد شرب الخمر
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السوط: السوط مصدر من ساطه يسوطه
(1) انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 385)، المحلى (12/ 80).
(2)
المذاكير بفتح الميم وكسر الكاف واحد الذَكَر على خلاف القياس، كأنهم فرقوا بين الذكر الذي هو خلاف الأنثى، والذكر الذي هو الفرج في الجمع. انظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية على كتب الحنفية للنسفي (128)، معجم لغة الفقهاء (419)، الصحاح (3/ 227)، تاج العروس، مادة (ذكر)(11/ 381).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 538)، وعبد الرزاق في المصنف (7/ 370)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (6/ 468)، وفي السنن الكبرى (8/ 327)، وضعفه الألباني في إراء الغليل (7/ 365).
(4)
انظر: المبسوط (9/ 72)، تبيين الحقائق (3/ 170)، طرح التثريب (8/ 16).
(5)
انظر: مغني المحتاج (5/ 521)، السياسة الشرعية (184)، أحكام القرآن للجصاص (3/ 385)، المنتقى شرح الموطأ (7/ 142).
سوطًا، أي خلط، فهو سائط، وأصل السين والواو والطاء يدل خَلْطُ الشيء بَعْضِه ببعض.
ومنه السُّوَيطاء: وهي مرقة كثر ماؤها وخليطها من بصلها وحمصها وسائر الحبوب.
ومنه السويطة: أي المختلطة، يُقال: أموالهم سويطة بينهم، أي مشتركة ومختلطة.
ومنه المِسواط: وهي خشبة أو غيرها يحرك بها ما في القدر ليختلط.
ومن هذا الباب السوط: وهو ما يُضرب به من العيدان أو الجِلد، وهو مفرد، جمعه أسواط وسياط، وقد يكون مضفورًا، وقد لا يكون كذلك، سمي بذلك لأنه يسوط اللحم بالدم، أي يخلطه، وهذا المعنى هو المراد في المسألة (1).
وقد ورد ذِكره في القرآن في قوله تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} (2)، قيل: أي عذابًا يخالط اللحم والدم، وقيل: أي ألم سوط عذاب، لأن السَّوط كان عندهم نهاية ما يعذب به، ولأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره (3).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا وجب حد الجلد على شخص سليم، فإن جلده يكون بالسوط الذي يُتخذ من عيدان الشجر، أو من الجِلد، ولا يجوز أن يجلد بغير ذلك كالحديد، أو الخشب، أو النعال، أو الجريد، أو الحبال، ونحو ذلك، ما لم يكن ثمة ضرر يمكن أن يلحقه إذا جُلد بالسوط، أو كان الجلد بموجب حد شرب الخمر.
(1) انظر: مقاييس اللغة (3/ 115)، الصحاح (4/ 272)، لسان العرب، مادة:(سوط)(7/ 325)، تاج العروس، مادة:(سوط)(19/ 291)، المعجم الوسيط (1/ 463).
(2)
سورة الفجر، آية (13).
(3)
انظر: البحر المحيط (8/ 352)، تفسير القرطبي (20/ 49).
ومما سبق يتضح ثلاثة أمور:
الأول: أن من وجب عليه الحد إن كان مريضًا يضرُّه السوط، فهذا غير مراد.
الثاني: أن الحد إن كان موجبه شرب الخمر، فذلك غير مراد، والمراد تقرير الإجماع أن الحدود غير حد الخمر يجب الجلد فيه بالسوط، أما حد الخمر فالضرب فيه هل يجب بالسوط، أو يجوز بغيره هو محل خلاف غير مراد في مسألة الباب.
الثالث: إن كان موجب الجلد ليس حدًا، وإنما التعزير، فغير مراد في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الجلد بالسوط يجب"(1). وقال الجصاص (370 هـ): "اتفاقهم على أن ضرب الحدود بالسوط"(2).
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن حد الشرب يقام بالسوط"(3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الضرب بالسوط، ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في هذا في غير حد الخمر. . . . والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط، وكذلك غيرهم، فكان إجماعًا"(4). وقال القرطبي (671 هـ): "أجمع العلماء على أن الجلد بالسوط يجب"(5). وقال ابن عاشور (1393 هـ)(6): "اتفق فقهاء الأمصار على: أن ضرب الجلد بالسوط"(7).
(1) الإجماع (112).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (3/ 386).
(3)
الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 295).
(4)
المغني (9/ 142).
(5)
تفسير القرطبي (12/ 161).
(6)
هو محمد الطاهر بن عاشور، المالكي، رئيس المفتين المالكيين بتونس، من كتبه:"مقاصد الشريعة الإسلامية"، و"التحرير والتنوير"، ولد سنة (1226 هـ)، وتوفي سنة (1393 هـ). انظر: الأعلام 6/ 174.
(7)
التحرير والتنوير لابن عاشور (18/ 119).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (1).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن زيد بن أسلم: "أن رجلًا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسوط، فأُتي بسوط مكسور، فقال: (فوق هذا)، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: (بين هذين)، فأتي بسوط قد لان ورُكِبَ به، فأمر به، فجُلد"(2)
• وجه الدلالة: قال ابن عبد البر: "في هذا الحديث من الفقه أن الحدود لا تقام إلا بسوط قد لان"(3).
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يؤثر عن أحد منهم أنه ضرب في الحدود بغير السوط، وكذا الصحابة رضي الله عنهم إنما جلدوا بالسوط، فكان منهم إجماعًا (4).
• المخالفون للإجماع: خالف في هذه المسألة الظاهرية فقالوا بأن الضرب في الحدود لا يشترط أن يكون بالسوط فقط، بل يجوز أن يكون بسوط، أو بحبل، أو كتان، أو صوف، وغير ذلك مما يحصل به المقصود (5).
• دليل المخالفين: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (6).
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (7).
(1) انظر: فتح القدير (5/ 230)، البحر الرائق (5/ 10).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(5/ 1205)، والشافعي في "الأم"(6/ 157)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 540)، وعبد الرزاق في "المصنف"(7/ 369)، والبيهقي في "السنن الصغرى"(3/ 345)، عن زيد بن أسلم مرسلًا.
(3)
التمهيد (5/ 327).
(4)
انظر: المغني (9/ 142)، المحلى (12/ 84).
(5)
انظر: المحلى (12/ 84).
(6)
سورة النور، آية:(2).
(7)
سورة النور، آية:(4).