الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المازري (536)(1): "أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال وعلى أنه إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره"، ونقله عنه ابن حجر (2)، والزرقاني (3) والمناوي (4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى اتفاق أهل اللغة على أن الخمر في أصل المعنى اللغوي يُطلق على عصير العنب إذا غلى وقذف بالزبد، وهو في هذه الحال يكون مسكرًا، وإنما وقع الخلاف في غير عصير العنب هل يدخل في حقيقة الخمر عند أهل اللغة، كما قال الفيروزآبادي:"الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عام، والعموم أصح"(5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[225/ 4] يحرم قليل خمر العنب وكثيرها
.
[226/ 4] من شرب من خمر العنب ما لا يحصل به الإسكار، ولو قطرة واحدة، أقيم عليه الحد
.
• المراد بالمسألتين: الخمر المتخذ من عصير العنب يحرم شرب القليل منه، والكثير، حتى لو كان القليل منه لا يُسكر فيحرم شربه، ويقام الحد على من شرب القليل منه ولو لم يحصل له به سكر.
(1) هو أبو عبد اللَّه، محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، نسبة إلى "مازر" من جزر صقلية، المالكي، فقيه، محدث، من تصانيفه:"المعلم بفوائد مسلم، و"الكشف والانباء" في الرد على الإحياء للغزالي، ولد سنة (453) هـ، ومات سنة (536) هـ. انظر: وفيات الاعيان 4/ 285؛ معجم المؤلفين 11/ 32؛ الاعلام 7/ 164.
(2)
فتح الباري (10/ 43).
(3)
شرح الزرقاني على موطأ مالك (4/ 209).
(4)
فيض القدير (5/ 420).
(5)
القاموس المحيط، فصل الخاء، (1/ 495)، وانظر: الصحاح (3/ 213)، تهذيب الأسماء واللغات (3/ 93)، بدائع الصنائع (5/ 112)، تبيين الحقائق (6/ 44).
وينبَّه إلى أن المسألة هي في عصير العنب، أما الخمر المتخذ من غير العنب فغير مراد.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعت الأمة على أن خمر العنب إذا غلت ورمت بالزبد أنها حرام، وأن الحد واجب في القليل منها والكثير"، نقله عنه أبو الطيب (1). وقال ابن حزم (456 هـ):"اتفقوا أن عصير العنب الذي لم يطبخ، إذا غلى وقذف بالزبد وأسكر، أن كثيره وقليله والنقطة منه حرام على غير المضطر، والمتداوي من علة ظاهرة، وأن شاربه وهو يعلمه فاسق، وأن مستحله كافر"(2).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وأجمعت الأمة على أن خمر العنب حرام في عينها قليلها وكثيرها"(3). وقال أيضًا: "أن المسلمين مجمعون على تحريم خمر العنب، ووجوب الحد على شارب قليلها"(4).
وقال علاء الدين السمرقندي (531 هـ): "يجب الحد بشرب قليلها وكثيرها بإجماع الصحابة عليه"(5).
وقال القاضي عياض (544 هـ): "اتفقوا على إقامة الحد على شارب القليل من خمر العنب وكثيره، سكر أو لم يسكر"(6). وقال أيضًا: "إجماع المسلمين منعقد على تحريم خمر العنب النيئ، قليله وكثيره"(7).
(1) انظر: عون المعبود (9/ 576).
(2)
مراتب الإجماع (136).
(3)
التمهيد (4/ 142).
(4)
الاستذكار (8/ 24)، وقال أيضًا (8/ 3):"وقد أجمعوا على أن قليل الخمر من العنب فيه من الحد مثل ما في كثيرها"، وقال (8/ 23):"قد أجمعت الأمة ونقلت الكافة عن نبيها صلى الله عليه وسلم تحريم خمر العنب قليلها وكثيرها"، وقال في التمهيد (1/ 143):"إجماع العلماء على تحريم خمر العنب المسكر".
(5)
تحفة الفقهاء (3/ 327).
(6)
إكمال المعلم (5/ 282).
(7)
إكمال المعلم (5/ 282).
قال ابن قدامة (620 هـ): "يجب الحد على من شرب قليلًا من المسكر أو كثيرًا، ولا نعلم بينهم خلافًا في ذلك، في عصير العنب غير المطبوخ"(1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(2).
وقال النووي (676 هـ): "أجمعوا على تحريم عصير العنب وإن لم يُسكر"(3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فإن خمر العنب قد أجمع المسلمون على تحريم قليلها"(4).
وقال العراقي (806 هـ): "أجمعوا على تحريم عصير العنب وإن لم يُسكر"(5). وقال ابن حجر (852 هـ): "وقد انعقد الإجماع على أن القليل من الخمر المتخذ من العنب يحرم قليله وكثيره"(6).
وقال أبو الطيب (1329 هـ): "أجمعت الأمة على أن خمر العنب إذا غلت ورمت بالزبد أنها حرام، وأن الحد واجب في القليل منها والكثير"(7).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
(1) المغني (9/ 136).
(2)
الشرح الكبير (10/ 330).
(3)
شرح النووي (13/ 149)، ومراد النووي بعصير العنب هنا أي مما هو خمر، فيحرم شرب ما لا يُسكر منه، أما مطلق عصير العنب إذا لم يكن خمرًا فشربه جائز كما حكاه النووي في "شرح مسلم" (13/ 149) بقوله:"سُلَافة العنب عند اعتصارها وهي حلوة لم تسكر فهي حلال بالإجماع"، وكذا حكاه العراقي بنفس أحرف النووي كما في "طرح التثريب"(8/ 46). وحكى الإجماع قبل النووي القاضي عياض في "إكمال المعلم"(6/ 227)، ولعله أول من حكى الإجماع بهذه اللفظ، ثم تبعه على ذلك النووي، ثم العراقي، واللَّه تعالى أعلم.
(4)
مجموع الفتاوى (34/ 196)، وقال أيضًا (34/ 202):"أما الخمر التي هي عصير العنب الذي إذا غلا واشتد وقذف بالزبد فيحرم قليلها وكثيرها باتفاق المسلمين، ومن نقل عن أبي حنفية إباحة ذلك فقد كذب".
(5)
طرح التثريب (8/ 46)، وقال أيضًا (8/ 41 - 42):"وقد أجمع المسلمون على تحريم ما كان منها من عصير العنب بمجرد الشُّرب، وإن قلَّ".
(6)
فتح الباري (10/ 40).
(7)
عون المعبود (9/ 576).
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (1).
• وجه الدلالة: في الآية الأمر باجتناب الخمر، وهذا عام يشمل قليله وكثيره.
الدليل الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)(2).
الدليل الثالث: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره)(4).
الدليل الرابع: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (كل
(1) سورة المائدة، آية (90).
(2)
أخرجه أحمد (23/ 51)، وأبو داود رقم (3681)، والترمذي رقم (1856)، وقال: "هذا حديث حسن غريب من حديث جابرًا، وابن ماجه، كتاب: الأشربة، باب: ما أسكر كثيره فقليله حرام، رقم (3393).
قال ابن دقيق العيد في "الإلمام بأحاديث الأحكام"(1/ 338): "حديث صحيح"، وأخرجه النسائي كتاب: الأشربة، باب: تحريم كل شراب أسكر كثيره، رقم (6507)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
قال ابن حجر في "فتح الباري"(57/ 16): "وسنده إلى عمرو صحيح".
(3)
هو سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي، كان سابع سبعة في الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وآخرهم موتًا، واحد الستة أهل الشورى، وأول من رمى بسهم في سبيل اللَّه، كان مجاب الدعوة، مات سنة (51 هـ). انظر: الاستيعاب 2/ 607، سير أعلام النبلاء 1/ 92، الإصابة في تمييز الصحابة 3/ 73.
(4)
أخرجه النسائي رقم (5608).
قال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"(4/ 113): "إسناده صحيح"، وقال ابن دقيق العيد في "الإلمام بأحاديث الأحكام" (1/ 337):"حديث صحيح، رواه النسائي بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح"، وقال المقدسي في "الأحاديث المختارة للضياء" (1/ 494):"إسناده حسن"، قال ابن حجر في "المطالب العالية" (8/ 636):"وإسناده صحيح"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير"(1/ 494).
مسكر حرام، ما أسكر الفرَق (1) منه فملء الكف منه حرام) (2).
(1) الفرَق -بفتح الراء- هو مِكْيَال يسع سِتَّةَ عشر رطْلا، وهي اثنا عشر مُدًّا، أو ثلاثة آصُع عند أهْل الحجاز. وقيل: الفَرَق خمسة أقْسَاط والقِسْط: نصف صاع. انظر: النهاية في غريب الأثر (3/ 837)، كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (608).
(2)
أخرجه أحمد (40/ 484)، والترمذي رقم (1866)، وقال:"هذا حديث حسن"، وأبو داود رقم (3687)، من طريق يحيى بن إسحاق، أخبرني مهدي بن ميمون، حدثني أبو عثمان الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها.
والحديث رجاله ثقات رجال الشيخين عدا يحيى بن إسحاق فهو من رجال مسلم.
وكذا عثمان الأنصاري فإنه ليس من رجال الشيخين، إلا أنه ثقة، وثقه أبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات. والحديث صححه جماعة من أهل العلم منهم ابن الملقن في "البدر المنير" (8/ 307): حيث قال: "وهو حديث صحيح"، وقال أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" (7/ 358):"إسناده صحيح"، وقال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 424):"بإسناد صحيح"، وصححه الألباني كما في "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام"(53)، وصحيح الجامع الصغير (2/ 836).
وصوب الدارقطني وقفه على عائشة رضي الله عنها، فقال:"رفعوه، وخالف خلف بن الوليد فوقفه على عائشة، والقول قوله"، نقله عنه ابن الملقن في "البدر المنير"(8/ 307)، والذهبي في "تنقيح التحقيق"(2/ 303)، وابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(5/ 14).
بينما ضعَّفه ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام"(4/ 606) حيث أعله بأبي عثمان الأنصاري، فقال: "وهو ليس بصحيح؛ فإنه من رواية مهدي بن ميمون -وهو ثقة-، قال: حدثنا أبو عثمان: عمرو بن سالم الأنصاري، عن القاسم، عن عائشة.
وأبو عثمان هذا لا تعرف حاله وإن كان قاضيًا بمرو، لم أجد ذكره في مظان وجوده من مصنفات الرجال الرواة". وما ذكره ابن القطان من تضعيف الحديث بسبب جهالة أبي عثمان تعقَّبه جماعة من أهل العلم منهم ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" (5/ 15) حيث ذكر قول ابن القطان ثم قال:"كذا قال".
وأبو عثمان هذا اسمه عمرو بن سالم، وقيل: عمر، وقيل في اسم أبيه غير ذلك، قال الحاكم أبو أحمد: وهو معروف بكنيته، ولا أحق في اسمه واسم أبيه شيئًا، وقد أحسن مهدي بن ميمون الثناء على أبي عثمان، ووثقه أبو داود في رواية أبي عبيد الآجري عنه، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات".