الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[43/ 1] شهادة الكفار على المسلمين في الحدود غير مقبولة
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص مسلم ما يوجب الحد، وكان ثبوت الحد عليه بموجب شهادة كافر، فإن الحد لا يُقام حينئذٍ، لأن شهادة الكافر غير مقبولة.
ويتبيَّن مما سبق أن شهادة الكافر على المسلم إن كانت في غير الحدود فذلك غير مراد، وكذا إن كانت شهادة الكافر على كافر فذلك غير مراد.
وينبَّه إلى أنه يُستثنى من ذلك شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر، فهذه محل خلاف غير مرادة في المسألة (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا على أنه لا يقبل مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر"(2). وقال ابن رشد (595 هـ): "وأما الإسلام فاتفقوا على أنه شرط في القبول، وأنه لا تجوز شهادة الكافر"(3).
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "ويكونوا مسلمين، ولا نعلم في هذا خلافًا"(4). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ): "وأقوال الكفار في الحدود وفي شهاداتهم عليها غير مقبولة بالإجماع"(5).
وقال القرطبي (671 هـ): "أقوال الكفار في الحدود وفي شهادتهم عليها غير مقبولة بالإجماع"(6). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فلا تقبل شهادة الكفار على المسلمين، وهذا لا نزاع فيه"(7).
(1) انظر: المحلى (8/ 491)، منح الجليل شرح مختصر خليل (8/ 389).
(2)
مراتب الإجماع (53).
(3)
بداية المجتهد (2/ 380).
(4)
العدة شرح العمدة (544)، وقال أيضًا (621):" ولا نعلم خلافا في أنه لا تقبل فيه إلا شهادة العدول ظاهرًا وباطنًا، وأنه لا يقبل فيه إلا شهادة المسلمين".
(5)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 238).
(6)
تفسير القرطبي (6/ 180).
(7)
مجموع الفتاوى (15/ 297).
وقال ابن المرتضى (840 هـ): "لا تصح من كافر حربي وثني أو ملحد أو مرتد مطلقًا إجماعًا، ولا من غيرهم على مسلم إجماعًا"(1) ونقله عنه الشوكاني (2).
وقال الدسوقي (1230 هـ)(3): "اعلم أن شهادة الكافر على المسلم لا تقبل إجماعًا"(4). وقال عليش (1299 هـ)(5): "لا كافر على مسلم إجماعًا"(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (7)، والشافعية (8).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (9).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر فيمن نقيمه للشهادة أن يكون عدلًا،
(1) البحر الزخار (6/ 23).
(2)
انظر: نيل الأوطار (8/ 339).
(3)
هو محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، نسبة إلى "دسوق" بمصر، مالكي، برع في الفقه واللغة، وأقام بالقاهرة، وكان من المدرسين بالأزهر، من كتبه:"الحدود الفقهية"، و"حاشية على مغني اللبيب"، و"حاشية على الشرح الكبير على مختصر خليل"، توفي بالقاهرة سنة (1230 هـ). انظر: الأعلام 6/ 242، معجم المؤلفين 9/ 292، شجرة النور الزكية 361.
(4)
حاشية الدسوقي (4/ 154).
(5)
هو أبو عبد اللَّه، محمد بن أحمد بن محمد، المعروف بالشيخ عليش، فقيه، مالكي، مغربي الأصل، اشتغل بتحصيل الفقه، والحديث، والتفسير، والنحو، والبلاغة، درَّس في القاهرة، من تصانيفه:"فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك"، و"منح الجليل على مختصر خليل"، ولد سنة (1217 هـ)، وتوفي سنة (1299 هـ). انظر: شجرة النور الزكية 385، الأعلام 6/ 19.
(6)
منح الجليل شرح مختصر خليل (8/ 389).
(7)
انظر: المبسوط (16/ 134)، فتح القدير (7/ 417)، مجمع الأنهر (2/ 187).
(8)
انظر: مغني المحتاج (6/ 339)، تحفة المحتاج (10/ 211)، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (4/ 427).
(9)
سورة الطلاق، آية (2).
والكافر ليس بعدل، فلا تُقبل شهادته (1).
الدليل الثاني: قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى شرط في الشاهد أن يكون ممن نرتضيه، والكافر غير مرضي لاحتمال الكذب في خبره (3).
الدليل الثالث: قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نفى أن يكون للكافر سبيل على المسلمين، والشهادة فيها معنى الولاية، ومن ثم لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم لانعدام الولاية عليه (5)(6).
الدليل الرابع: عموم الآيات التي جعلت الكافر فاسقًا، ومنها:
أ - قال تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} (7).
ب - قال تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (8).
ج - قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (9).
د - قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (10).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى الكافر فاسقًا، والفاسق لا تقبل شهادته باتفاق الفقهاء (11)، فكذلك لا تقبل شهادة الكافر؛ لأن الكفر أشد فسقًا من
(1) انظر: المغني (10/ 181).
(2)
سورة البقرة، آية (282).
(3)
انظر: المبسوط (16/ 134)، المغني (10/ 181).
(4)
سورة النساء، آية:(141).
(5)
انظر: بدائع الصنائع (6/ 280).
(6)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 14/ 368، حاشية ابن عابدين 4/ 572.
(7)
سورة البقرة، آية (99).
(8)
سورة النور، آية (55).
(9)
سورة الحشر، آية (19).
(10)
سورة التوبة، آية (67).
(11)
نقل الإجماع على عدم قبول شهادة الفاسق جماعة من أهل العلم منهم مسلم في "صحيحه" =
فسق المسلم (1).
الدليل الخامس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مناديًا في السوق: أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، قيل: وما الظنين؟ قال: المتهم في دينه"(2).
• وجه الدلالة: دل الحديث على عدم قبول شهادة من به تهمة، والكافر داخل في ذلك.
الدليل السادس: أن الكافر لا يؤمن منه أن يكذب على المسلم، وأن يتقوَّل عليه، لما فيه من الغيظ على الإسلام (3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
= (1/ 3)، وابن بطال في "شرح صحيح البخاري"(7/ 179)، وابن قدامة في "المغني"(10/ 168)، وغيرهم، وسيأتي نقل النصوص في حد الزنا في المسألة رقم 98 بعنوان:"يشترط في إقامة حد الزنا بموجب الشهادة أن يكون الشهود عدولًا".
(1)
أنوار البروق في أنواع الفروق (4/ 143)، مغني المحتاج (6/ 339).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(8/ 320)، والبيهقي في "السنن الصغري"(4/ 172). وللحديث شواهد وطرق أخرى، منها: عند الترمذي (2298) بلفظ: (ولا ظنين في ولاء)، وهو ضعيف، كما قال ابن أبي حاتم في "العلل" (4/ 287):"هذا حديث منكر"؛ لأن في سنده يزيد بن زياد الدمشقي، ضعفه أهل العلم، وقال عنه النسائي:"متروك الحديث"، كما نقله عنه ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(5/ 82).
ومنها: عند أبي داود في المراسيل (286)، وهو ضعيف لأنه مرسل.
وقد ضعف البيهقي الحديث من جميع طرقه فقال في "السنن الكبرى"(10/ 155): "لا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعتمد عليه".
بينما قواه ابن حجر بمجموع الطرق فقال في "التلخيص الحبير"(4/ 374) بعد أن ذكر الحديث: "ليس له إسناد صحيح، لكن له طرق يقوى بعضها ببعض".
وأخرجه مالك في الموطأ (1043) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 202) موقوفًا على عمر رضي الله عنه.
(3)
انظر: فتح القدير (7/ 417).