الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[54/ 1] ليس لمن أصاب حدًا أن يقيمه على نفسه
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وأراد أن يُقيم الحد على نفسه بدون إذن الإمام، فإن ذلك لا يجوز، وفاعله عاصٍ للَّه عز وجل.
ويتبيَّن مما سبق أمران:
الأول: المراد تحقيق الإجماع أن إقامته للحد على نفسه معصية، أما هل يجزئ عنه إن أقام الحد أم لا يجزئ، فمسألة أخرى غير مرادة.
الثاني: أنه إن فعل ذلك بإذن الإمام فذلك غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما إقامته الحد على نفسه فحرام عليه ذلك بإجماع الأمة كلها، وأنه لا خلاف في أنه ليس لسارق أن يقطع يد نفسه، بل إن فعل ذلك كان عند الأمة كلها عاصيًا للَّه تعالى"(1).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن محيريز (6) قال: "الجمعة والحدود والزكاة والفيء إلى السلطان"(7).
(1) المحلى (12/ 27).
(2)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 417)، المبسوط (9/ 81).
(3)
انظر: الشرح الكبير للدردير (3/ 354)، بداية المجتهد (2/ 365).
(4)
انظر: أسنى المطالب (2/ 269)، نهاية المحتاج (5/ 36).
(5)
انظر: الإنصاف (10/ 150)، كشاف القناع (6/ 78).
(6)
هو أبو محيريز، عبد اللَّه بن محيريز بن جنادة الجمحي، تابعي، حدث عن جملة من الصحابة، قال رجاء بن حيوة:"إن يفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز"، توفي سنة (99 هـ). انظر: تهذيب الكمال 16/ 355، تذكرة الحفاظ 1/ 63، سير أعلام النبلاء 4/ 495.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 508).
وأخرج ابن حزم نحوه عن مسلم بن يسار (1) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (2).
• وجه الدلالة: في الأثر أن الحدود إلى السلطان، فمن أقامها دون إذن الإمام، فهو مخالف لما ورَد، وقد حُكي الإجماع على ذلك، كما قال أبو بكر الجصاص:"ثبت باتفاق الجميع أن المأمورين بإقامة هذه الحدود على الأحرار هم الأئمة"(3).
الدليل الثاني: أن الحد لو كان واجبًا على من ارتكبه بنفس فعله، لما أحل اللَّه الستر لمن ارتكب ذلك، والإجماع قائم على أنه يباح له الستر على نفسه (4).
الدليل الثالث: أن الذي ارتكب ما يوجب الحد قد لا يكون عالمًا بشروط إقامة الحد، فقد يظن أن عليه حد الزنا مع أنه لا تنطبق عليه الشروط الموجبة لحد الزنا، أو يظنه سرق ما يوجب القطع وتكون سرقته مما لا توجب الحد إما لشبهة فيها، أو لعدم بلوغها النصاب، أو لكونها من غير حرز، أو لغير ذلك، فيوجب على نفسه حدًا لم يوجبه اللَّه تعالى.
(1) هو مسلم بن يسار المكي، ثم البصري، كان من عباد البصرة وفقهائها، قال ابنُ عَون:"كان لا يفضل عليه أحد في ذلك الزمان"، وقال محمد بن سعد:"كان ثقةً، فاضلًا، عابدًا، وَرِعًا"، توفي سنة (100 هـ). انظر: الكاشف 2/ 261، تهذيب التهذيب 10/ 140، الجرح والتعديل 8/ 868.
(2)
المحلى (12/ 76)، وذكر بعض فقهاء الحنفية كما في العناية شرح الهداية (5/ 235)، فتح القدير (5/ 235) في هذا حديثًا عن ابن مسعود وابن عباس والزبير مرفوعًا بلفظ:"أربع إلى الولاة الحدود والصدقات والجمعات والفيء"، لكن لم أجد له تخريجًا في شيء من كتب السنة، فاللَّه أعلم.
(3)
أحكام القرآن (3/ 416)، وسيأتي ذكر من نقل الإجماع على ذلك وتحقيق الإجماع فيه في المسألة رقم 56 بعنوان:"إقامة الحدود على الأحرار للإمام دون غيره".
(4)
المحلى (12/ 27)، وقد سبق نقل إجماعات الفقهاء في كون الستر مباح لمن ارتكب حدًا، في المسألة رقم 19 بعنوان:"يباح للإنسان أن يستر على نفسه الحد".