الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه:(قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه:(والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (1).
وجه الدلالة من النصوص السابقة: الأحاديث السابقة تصريح بأن الجلد هو في حق البكر، وأن الرجم إنما هو في حق الثيب.
الدليل الخامس: أنه مروي عن جماعة من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم في جلد من زنى وهو بِكر، ولم يأت عن أحد منهم رجم البكر (2).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[111/ 2] حد الزاني المحصن الرجم
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد الزنا، وكان محصنًا، فإن الحد الواجب في حقه هو الرجم.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الحر إذا تزوج تزويجًا صحيحًا، ووطئها في الفرج، أنه محصن، يجب عليهما الرجم إذا زنيا"(3).
وقال ابن بطال (449 هـ): "فالرجم ثابت بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبفعل الخلفاء
(1) أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(2)
وقد سبق تخريج تلك الآثار عنهم.
(3)
الإجماع (112).
الراشدين، وباتفاق أئمة أهل العلم" (1) ونقله عنه ابن حجر (2).
وقال الماوردي (450 هـ): "والدليل على وجوب الرجم. . . انعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواترًا"(3). وقال ابن حزم الظاهري (456 هـ): "اتفقوا كلهم -حاشا من لا يعتد به بلا خلاف وليس هم عندنا من المسلمين- فقالوا إن على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا"(4).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع فقهاء المسلمين وعلماؤهم من أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا أن المحصن حده الرجم"(5).
وقال المرغيناني (593 هـ): "وإذا وجب الحد وكان الزاني محصنًا رجمه بالحجارة حتى يموت. . . وعلى هذا إجماع الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم"(6).
وقال القاضي عياض (544 هـ): "لا خلاف أنه لا يرجم غير المحصن"(7).
(1) شرح صحيح البخاري (8/ 431).
(2)
فتح الباري (12/ 118)، لكنه لم ينقله عنه بالحرف حيث قال:"قال ابن بطال: أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة".
(3)
الحاوي الكبير (13/ 192)
(4)
المحلى (12/ 169)، وأراد بمن لا يُعتد بخلافهم هنا الأزارقة كما نص عليه مع الإجماع على المسألة في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (6/ 310) فقال:"لا خلاف بين أحد من المسلمين حاشا الأزارقة في وجوب الرجم على الزاني المحصن".
(5)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (9/ 79)، وقال أيضًا في الاستذكار (7/ 485):"وأما الاعتراف فهو الإقرار من البالغ العاقل بالزنا صراحًا، لا كناية، فإذا ثبت على إقراره، ولم ينزع عنه، وكان محصنًا وجب عليه الرجم، وإن كان بكرًا جلد مائة، وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء"، وقال أيضًا في الاستذكار (7/ 478):"أجمع الجمهور من فقهاء المسلمين أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا أن المحصن من الزناة حده الرجم".
(6)
الهداية شرح البداية (2/ 96).
(7)
إكمال المعلم (5/ 270).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فأما الثيب الأحرار المحصنون، فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم"(1).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج"(2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (3). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ):"الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم"(4).
وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع الجمهور من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أن المحصن حده الرجم، وأما المبتدعة كالخوارج والمعتزلة فإنهم لا يرون رجم الزاني وإن أحصن، وانما حده عندهم الجلد، ولا يعرج عليهم ولا يعدون خلافًا"(5). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ): "إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين"(6).
وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة، إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة، كالنظام، وأصحابه، فإنهم لم يقولوا بالرجم"(7).
(1) بداية المجتهد (2/ 356)، وقال أيضًا بداية المجتهد (2/ 357):"أما الإحصان فإنهم اتفقوا على أنه من شرط الرجم".
(2)
المغني (9/ 39)، وقال أيضًا (9/ 41):"الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم".
(3)
الشرح الكبير (10/ 155)، وقال أيضًا (10/ 158):"الرجم لا يجب إلا على المحصن بإجماع أهل العلم".
(4)
العدة شرح العمدة (542).
(5)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 255).
(6)
المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (7/ 216).
(7)
شرح النووي (11/ 189).
وقال ابن مودود الموصلي (683 هـ)(1)"حد الزاني إن كان محصنًا الرجم بالحجارة حتى يموت. . . . وعلى ذلك إجماع العلماء"(2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "ثبت الرجم بالسنة المتواترة، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(3).
وقال العيني (855 هـ): "استحقاق الزاني المحصن للقتل وهو الرجم بالحجارة، وأجمع المسلمون على ذلك"(4).
وقال ابن الهمام (861 هـ): "عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن تقدم من علماء المسلمين"(5) ونقله عنه الملا علي القاري (6). وقال ابن نجيم (970 هـ): "وعلى هذا -أي: رجم الزاني- إجماع الصحابة رضي الله عنهم وإنكار الخوارج الرجم باطل؛ لأنهم إن أنكروا حجية إجماع الصحابة رضي الله عنهم"(7).
والخطيب الشربيني (977 هـ): "الحد هو الجلد والتغريب على غير المحصن، والرجم على المحصن بالنص والإجماع"(8). وقال الملا علي القاري (1014 هـ): "الرجم عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ومن تقدم من علماء الأمة"(9).
وقال المناوي (1031 هـ): "فرجم المحصن واجب بإجماع المسلمين"(10). وقال الزرقاني (1122 هـ): "قال الخوارج والمعتزلة: لا رجم مطلقًا، وإنما
(1) هو أبو الفضل، عبد اللَّه بن محمود بن مودود، الموصلي، من كبار الحنفية، فقيه، تولى قضاء الكوفة، ثم اشتغل بالتدريس، من كتبه:"المختار" ثم شرحه بكتاب سماه "الاختيار تعليل المختار"، ولد سنة (599 هـ)، وتوفي سنة (683 هـ). انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية 1/ 291، الأعلام 4/ 135.
(2)
الاختيار تعليل المختار (4/ 88).
(3)
مجموع الفتاوى (20/ 399).
(4)
عمدة القاري (24/ 41).
(5)
فتح القدير (5/ 224).
(6)
انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري (11/ 150)، ونقله أيضًا عن ابن الهمام شرح سنن ابن ماجه (184) للسيوطي وآخرون.
(7)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 8).
(8)
مغني المحتاج (5/ 442).
(9)
شرح مسند أبي حنيفة (358).
(10)
فيض القدير (3/ 434).
الحد الجلد لثيب أو بكر، وهو خلاف إجماع أهل الحق والسنة" (1).
وقال الشوكاني (1255 هـ): "الرجم فهو مجمع عليه"(2).
وقال الشنقيطي (1393 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من زنى وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكرًا كان أو أنثى، إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه"(3).
وقال ابن عاشور (1393 هـ): "الزاني المحصن حده الرجم بالحجارة حتى يموت، وكان ذلك سنة متواترة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم ماعز بن مالك، وأجمع على ذلك العلماء"(4).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه:(قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا
(1) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (4/ 169).
(2)
نيل الأوطار (7/ 109).
(3)
أضواء البيان (5/ 372)، وقال أيضًا في "أضواء البيان" (5/ 372):"أجمع العلماء على أن الرجم لا يكون إلا على من زنى، وهو محصن".
(4)
التحرير والتنوير (18/ 120).
عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (1).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول اللَّه إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ردد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(أبك جنون؟ )، قال: لا، قال:(فهل أحصنت؟ )، قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(اذهبوا به فارجموه) متفق عليه (2).
الدليل الثالث: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (3).
الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى. والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال
(1) أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6430)، ومسلم رقم (1691).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1695).