الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: ظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد لشارب الخمر عددًا معينًا في الجلد، والحدود لا بد أن تكون مقدَّرة، وهو يدل على أن جلد شارب الخمر إنما كان من باب التعزير (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم في الجملة؛ لعدم وجود المخالف، وإنما وقع الخلاف في شارب الخمر، واللَّه تعالى أعلم.
[13/ 1] من أتى ما يوجب الحد داخل الحرم، فيقام عليه الحد فيه
• المراد بالمسألة: من ارتكب ما يوجب الحد داخل حدود الحرم (2)، فإن على الإمام إقامة الحد عليه ولو في الحرم، ولا يعتبر ذلك انتهاكًا لحرمة الحرم.
ويتبيَّن من هذا أن من أتى ما يوجب الحد خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فإقامة الحد عليه في الحرم غير مرادة في الباب، كما سيأتي بيانه في المسألة التالية (3).
• من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "اتفاق أهل العلم على أنه إذا قتل في الحرم قتل"(4).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن من قتل في الحرم وكذلك من أتى حدًا أقيم عليه في الحرم"(5).
وقال القرطبي (671 هـ): "وقد أجمعوا أنه لو قتل في الحرم قتل به، ولو
(1) انظر: المحلى (12/ 356).
(2)
والحرم حرمان: الحرم المكي، وهو محل إجماع بين أهل العلم في كونه حرم، وحرم مدني وهو موضع خلاف بين العلماء فذهب الحنفية إلى أنه ليس بحرم، وذهب الجمهور من المالكية الشافعية والحنابلة إلى أنه حرم كالحرم المكي، وعلى ذلك فالمسألة عند الجمهور تشمل الحرم المكي والمدني، أما الحنفية فالمسألة عندهم خاصة بالمكي. انظر: البحر الرائق (3/ 43)، الذخيرة (3/ 338)، الحاوي الكبير (4/ 326)، المبدع (3/ 207).
(3)
انظر: المسألة رقم 15 بعنوان: "من أتى ما يوجب الحد خارج الحرم ثم لجا للحرم فلا يقام عليه الحد".
(4)
أحكام القرآن (2/ 33).
(5)
الاستذكار (8/ 256).
أتى حدًا أقيد منه فيه" (1).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "من انتهك حرمة الحرم بجناية فيه توجب حدًا أو قصاصًا فإنه يقام عليه حدها، لا نعلم فيه خلافًا"(2) وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(3).
وقال العبدري (897 هـ)(4): "تُقام الحدود في الحرم ويقتل بقتل النفس في الحرم. . . ولا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار. . . إن قتل في الحرم قتل فيه إجماعًا"(5).
وقال الخازن (741 هـ)(6): "أجمعوا على أنه لو قتل في الحرم، أو سرق، أو زنى، فإنه يستوفى منه الحد في الحرم عقوبة له"(7).
وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "وإن فعل ذلك في الحرم استوفي منه فيه بغير خلاف نعلمه"(8) ونقله عنه البهوتي (9) والرحيباني (10).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
(1) تفسير القرطبي (2/ 111).
(2)
المغني (9/ 92).
(3)
انظر: الشرح الكبير (10/ 149).
(4)
هو أبو عبد اللَّه، محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري، الغرناطي، المالكي، فقيه، من علماء غرناطة في زمانه وأئمتها في زمانه، من كتبه:"التاج والإكليل شرح مختصر خليل"، و"سنن المهتدين في مقامات الدين"، مات سنة (897 هـ). انظر: الأعلام 7/ 154.
(5)
التاج والإكليل شرح مختصر خليل (8/ 326).
(6)
هو علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي، علاء الدين، ولد (678 هـ)، معروف بالخازن؛ لأنه كان خازنا للكتب في إحدى المدارس، من فقهاء الشافعية، من تصانيفه:"لباب التأويل في معاني التنزيل"، "عمدة الأفهام في شرح عمدة الأحكام"، توفي منة (741 هـ). انظر: طبقات المفسرين للأدنروي (267)، طبقات الشافعية (3/ 42).
(7)
لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن (1/ 272).
(8)
المبدع (9/ 58)، وقوله:"وإن فعل ذلك" أي القتل أو الحد، كما هو ظاهر من سياق الكلام.
(9)
انظر: كشاف القناع (6/ 88).
(10)
انظر: مطالب أولي النهى (6/ 170).
الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح قتل عند قاتل في الحرم، لأنهم لا حرمة لهم بعد انتهاكهم لحرمة الحرم، وكذلك مرتكب ما يوجب الحد في الحرم حيث أنه هتك حرمة الحرم (2).
الدليل الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه مِغْفَر (4)، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (اقتلوه) متفق عليه (5).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابن خطل وهو في الحرم متعلق بأستار الكعبة، وهو يدل على أن حرمة القتل في الحرم، وكونه آمنًا، ليست على عمومه (6).
الدليل الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحُديَّا (7)، والغراب،
(1) سورة البقرة، آية:(191).
(2)
انظر: كشاف القناع (6/ 88)، زاد المعاد (3/ 388)، سبل السلام (2/ 479).
(3)
هو أبو حمزة، أنس بن مالك بن النضر، الأنصاري، الخزرجي، خادم رسول صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين من الرواية، خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد والجنة، مات سنة (93) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 3/ 96، الإصابة 1/ 126، تذكرة الحفاظ 1/ 44.
(4)
هو غطاء يوضع على الرأس يُلبس تحت القلنسوة، وقيل: هي حَلَقٌ يجعلها الرجل تحت البَيضةِ، تُسْبغ على العُنق فتحميه من سهام وسيوف العدو. انظر: فتح الباري (4/ 60)، تهذيب اللغة (8/ 112).
(5)
أخرجه البخاري رقم (1749)، ومسلم رقم (1357).
(6)
انظر: المتقى شرح الموطا (3/ 80)، طرح التثريب (5/ 86)، سبل السلام (2/ 479).
(7)
الحُدَيا والحِدَأة: هو نوع من الطيور، جارح، يصيد الجرذان. انظر: شرح النووي (5/ 15)، لسان العرب مادة (حدأ)(1/ 54).
والكلب العقور) (1) متفق عليه (2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم علل إباحة قتل هذه الأشياء في الحرم بفسقهن وعدوانهن، ومرتكب ما يوجب الحد فيه فسق وعدوان، فيعم الحكم بعموم العلة (3).
الدليل الرابع: أن أهل الحرم يحتاجون إلى الزجر عن ارتكاب المعاصي كغيرهم؛ حفظًا لأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فلو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الحد في الحرم لتعطلت حدود اللَّه تعالى في حقهم، وفاتت هذه المصالح التي لا بد منها ولا يجوز الإخلال بها (4).
• المخالفون للإجماع: خالف ابن حزم فذهب إلى أنه لا يُقام حدٌ في الحرم، ولو كان من وجب عليه الحد قد أتى ما يوجب الحد في الحرم (5)، وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن عمر، وابن عباس، وأبي شريح (6)،
(1) أي الكلب الجارح، قال النووي في "شرح مسلم" (8/ 114):"واتفق العلماء على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم، واختلفوا في المراد به فقيل: هذا الكلب المعروف خاصة حكاه القاضي عن الأوزاعي وأبي حنيفة والحسن بن صالح وألحقوا به الذئب، وحمل زفر معنى الكلب على الذئب وحده، وقال جمهور العلماء ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذا الكلب المعروف بل المراد هو كل عاد مفترس غالبًا كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها، وهذا قول زيد بن أسلم، وسفيان الثوري، وابن عيينة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم، وحكاه القاضي عياض عنهم، وعن جمهور العلماء، ومعنى العقور والعاقر: الجارح".
(2)
أخرجه البخاري رقم (1731)، ومسلم رقم (1198).
(3)
انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (2/ 67)، طرح التثريب (5/ 56).
(4)
انظر: المغني (9/ 92).
(5)
انظر: المحلى (11/ 151)، ونسب الصنعاني هذا القول إلى بعض الهادوية في "سبل السلام"(2/ 479).
(6)
هو أبو شريح، هانئ بن يزيد بن نهيك الحارثي، صحابي، كان يكنى أبا الحكم، لكونه يحكم بين الناس، فكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي شريح بابنه الأكبر شريح. انظر: التاريخ الكبير 8/ 227، تهذيب الكمال للمزي 30/ 146، الإصابة 6/ 523.
وعبد اللَّه بن الزبير (1)، والشعبي، وسعيد بن جبير (2)، وعطاء (3).
• دليل المخالف: استدل ابن حزم بما يلي: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (4).
الدليل الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (5).
• وجه الدلالة من الآيتين: في الآيتين دليل على أن الحرم أمان لكل أحد، وهو عام يدخل فيه الأمن من إقامة الحد على من وجب عليه (6).
الدليل الثالث: عن أبي شريح (7) أنه قال لعمرو بن سعيد (8) -وهو يبعث
(1) هو أبو بكر، عبد اللَّه بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم، قال مجاهد:"ما كان باب من العبادة إلا تكلفه ابن الزبير"، شهد ابن الزبير اليرموك مع أبيه، وشهد فتح إفريقية، وكان البشير بالفتح إلى عثمان، قتل سنة (73 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 3/ 363، البداية والنهاية 8/ 332، الإصابة 4/ 89.
(2)
هو أبو عبد اللَّه، سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، بالولاء، الكوفي، الفقيه المقريء، من كبار أئمة التابعين ومقدميهم في التفسير، والحديث، والفقه، والعبادة، والورع، كان يقال له جهبذ العلماء، ولد سنة (46) هـ، قتله الحجاج بواسط صبرًا وظلمًا في شعبان سنة (95) هـ. انظر: الكاشف للذهبي 1/ 356، الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة للكلاباذي 1/ 282، وفيات الأعيان 2/ 371.
(3)
انظر: المحلى (11/ 151).
(4)
سورة البقرة، آية (125).
(5)
سورة آل عمران، آية (96 - 97).
(6)
انظر: المحلى (11/ 151).
(7)
هو أبو شريح، خويلد بن عمرو، الخزاعي، الكعبي، مشهور بكنيته، واختلف في اسمه فقيل: خويلد، وقيل: عبد الرحمن وقيل: هانيء، وقيل: عمرو بن خويلد، أسلم قبل فتح مكة، وتوفي بالمدينة سنة (68 هـ). الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/ 455، الثقات لابن حبان 3/ 110، الإصابة في تمييز الصحابة 7/ 204.
(8)
هو أبو أمية، عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، كان أميرًا على مكة والمدينة في =