الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الحكمة من مشروعية الحدود
شرعت الحدود لمقاصد نبيلة وحِكم عظيمة وأهداف سامية ومن أهم هذه الحكم:
أولًا: حفظ الضرورات الخمس التي جاء الشرع الحنيف بحفظها:
فإن الشرع الحنيف جاء بحفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض (أو النسل)، وحفظ المال (1).
وهذه ضرورات خمس لحفظ بقاء الإنسان كريمًا نافعًا، ويتضح ذلك ببيان هذه الحدود وهي كالتالي:
1 -
حد الزنا: لحفظ النسل.
2 -
حد القذف: لحفظ العرض.
3 -
حد الخمر: لحفظ العقل.
4 -
حد السرقة: لحفظ المال.
5 -
حد الحرابة: لحفظ النفس والمال والعرض.
6 -
حد البغي: لحفظ الدين والنفس.
7 -
حد الردة: لحفظ الدين.
ثانيًا: ردع المجرم عن الوقوع في جرمه مرة أخرى:
فإن المجرم إذا ذاق ألم العقوبة وشعر بالإهانة وما ترتب على فعله من فضيحة له، فسيكون ذلك رادعًا له من العودة إلى مقارفة المعصية مرة أخرى، وقد قال اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ
(1) انظر: التقرير والتحبير 3/ 231.
اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (1).
ثالثًا: كفارة وتطهير للمذنب:
فالحدود كفارات لصاحبها، كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه (2) قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) متفق عليه (3)، وكذلك قصة ماعز، والغامدية رضي الله عنهما (4).
رابعًا: حماية المجتمع وتحقيق الأمن فيه:
فإن الناس إذا رأوا ما وقع بالمجرم من عقوبة وإهانة، وأن ذلك هو مصير كل من يفعل فعله، فإنه سيرتدع من تُسول له نفسه الوقوع في المعصية، ولذلك
(1) سورة المائدة، الآية:(38)، قال ابن سعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (235):"نكَالا مِّنَ اللَّهِ أي: تنكيلًا وترهيبًا للسارق ولغيره؛ ليرتدع السراق إذا علموا أنهم سيقطعون إذا سرقوا".
(2)
هو أبو الوليد، عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم ابن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري السالمي، قال ابن عبد البر:"شهد بدرًا والمشاهد كلها ثم وجهه عمر إلى الشام قاضيًا ومعلمًا فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها ودفن بالبيت المقدس وقبره بها معروف إلى اليوم، وقيل: إنه توفي بالمدينة: والأول أشهر وأكثر". انظر: سير أعلام النبلاء 2/ 5، الإصابة 2/ 268، تهذيب التهذيب 5/ 97.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: علامة الإيمان حب الأنصار، رقم (18)، ومسلم، كتاب: الحدود، باب: الحدود كفارات لأهلها، رقم (1709).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا، رقم (1695)، وأخرج البخاري إقرار ماعز، انظر: صحيح البخاري، كتاب: الحدود، باب: هل يقول الإمام للمقر: لعلك غمزت أو قبلت، رقم (2502).
أمر اللَّه تعالى بإعلان حد الزنا وإقامته أمام الناس لكي يتحقق الردع فقال تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1).
ولو لم تُشرع الحدود لفسد نظام العالم ولاعتدى بعض الناس على بعض، ولأكل القوي الضعيف، فلذلك شرع اللَّه عز وجل العقوبات رحمة بالعباد ليحفظ حقوقهم، وليقيم العدل بينهم.
خامسًا: حصول البركة ودفع الأمراض والأوباء عن المجتمع:
فما انتشرت المعاصي وفشت في أمة إلا وظهر فيها الفساد كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)} (2)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لَحَدٌّ يقام في الأرض أحبّ إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا)(3)، قال ابن كثير:"والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكفَّ الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي كان سببًا في حصول البركات من السماء والأرض"(4).
(1) سورة النور، الآية:(2).
(2)
سورة الروم، الآية:(41).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (14/ 351)، والنسائي في الصغرى، كتاب: قطع السارق، باب: الترغيب في إقامة الحد رقم (4904) بلفظ: "ثلاثين صباحًا"، وابن ماجه، كتاب: الحدود، باب: إقامة الحدود، رقم (2538). وفي سنده جرير بن يزيد البجلي وهو ضعيف.
وله شواهد عند ابن حبان في "صحيحه"(10/ 243)، وابن الجارود في المنتقى (2/ 370)، وابن المبارك في مسنده (1/ 160)، وأبو يعلى في مسنده (10/ 496)، والطبراني في الصغير (2/ 166)، والبيهقي في شعب الإيمان (9/ 482)، والبخاري في الكبير (2/ 213).
ولهذا فالحديث حجة حيث حسن إسناده مرفوعًا المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 172)، وحسنه الألباني مرفوعًا بشواهده في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 295)، وصححه موقوفًا في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 295).
(4)
تفسير ابن كثير (6/ 320).