الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألتان فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم،
[241/ 4] يثبت الحد على شارب الخمر إذا وُجدت منه ريح خمر، أو إذا تقيأ الخمر
.
• المراد بالمسألة: من طرق إثبات حد شرب الخمر ما يلي:
أولًا: أن يتقيأ الشخص خمرًا.
ثانيًا: أن تظهر من فم الشخص رائحة خمر.
فإذا وُجد شخصٌ قد تقيأ الخمر من فمه، أو ظهرت من فمه ريح خمر، فإنَّ هذا دلالة على شربه للخمر، وللإمام إقامة الحد عليه بموجب الرائحة أو القيء.
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) بعد ذِكره لأثر عثمان رضي الله عنه في جلد شارب الخمر بموجب القيء (1): "هذا بمحضر من علماء الصحابة رضي الله عنهم وسادتهم، ولم يُنكر، فكان إجماعًا"(2).
قال شمس ابن قدامة (682 هـ) بعد ذِكره لأثر عثمان في جلد شارب الخمر بموجب القيء: "هذا بمحضر من علماء الصحابة رضي الله عنهم وسادتهم، ولم ينكر، فكان إجماعًا"(3). وقال ابن القيم (751 هـ): "إقامة الحدود بالرائحة والقيء كما اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم"(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (5).
(1) وسيأتي ذكر أثر عثمان وتخريجه في مستند الإجماع.
(2)
المغني (9/ 138).
(3)
الشرح الكبير (10/ 336).
(4)
إعلام الموقعين (3/ 16)، وقال أيضًا في "الطرق الحكمية" (6):"وحَكَم عمرُ وابن مسعود، ولا يعرف لهما مخالف، بوجوب الحد برائحة الخمر من في الرجل، أو قيئه خمرًا اعتمادًا على القرينة الظاهرة".
(5)
انظر: المدونة (4/ 523)، المنتقى شرح الموطأ (3/ 142).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال عمر رضي الله عنه: "وجدت من عبيد اللَّه (1) ريح شراب، وأنا سائل عنه، فإن كان يُسْكر، جلدُته"(2).
الدليل الثاني: أن ابن مسعود رضي الله عنه "قرأ سورة يوسف فقال رجل، ما هكذا أنزلت، قال: قرأتُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: (أحسنت)، ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجمع أن تكذب بكتاب اللَّه وتشرب الخمر؟ فضربه الحد" متفق عليه (3).
الدليل الثالث: عن حضين بن المنذر أبو ساسان (4) قال: شهدتُ عثمان بن
(1) هو عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من شجعان قريش وفرسانهم، قُتل مع معاوية رضي الله عنه بصفين، سنة (36 هـ). انظر: الاستيعاب 3/ 1010، مشاهير علماء الأمصار 108، الإصابة 5/ 52.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا، ووصله مالك في "الموطأ"(5/ 1233)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 532)، وعبد الرزاق في "المصنف"(9/ 228)، والدارقطني في "السنن (4/ 261)، والنسائي في "سننه" (8/ 326)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 441)، من طريق مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد صححه جمع من أهل العلم، منهم ابن حزم في "المحلى" (6/ 208) حيث قال:"فهذه أصح طريق في الدنيا عن عمر"، قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 3):"هذا الإسناد أصح ما يروى من أخبار الآحاد"، وقال ابن حجر (10/ 65):"صحيح الإسناد"، وقال الشوكاني في "فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار" (3/ 1674):"رجال إسناده ثقات"، وقال في "نيل الأوطار" (8/ 218):"بإسناد صحيح"، وقال الألباني في تعليقه على "السنن الكبرى" للنسائي (8/ 326):"صحيح الإسناد".
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4715)، ومسلم رقم (801).
(4)
هو أبو محمد، حضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي، تابعي بصري، لقبه أبو ساسان، روى عن جماعة من الصحابة فهم عثمان وعلي وأبي موسى رضي الله عنهم، كان صاحب راية علي يوم صفين، وثَّقه العجلي والنسائي وغيرهم، ولد سنة (18 هـ)، ومات سنة (97 هـ). انظر: مشاهير علماء الأمصار 157، مختصر تاريخ دمشق 7/ 195، تهذيب التهذيب 2/ 340.
عفان رضي الله عنه وأُتي بالوليد (1) قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران (2) أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان:"إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن (3) فاجلده، فقال الحسن:"ولِّ حارَّها من تولَّى قارَّها"(4) -فكأنه وجد عليه-، فقال: يا عبد اللَّه بن جعفر (5) قم فاجلده، فجلده وعليٌّ يعُد، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال: "جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد
(1) هو أبو وهب، الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو الأموي، من مسلمة الفتح، وهو أخو عثمان بن عفان رضي الله عنه لأمه، ولي الكوفة لعثمان، وجاهد بالشام، ثم اعتزل بالجزيرة بعد قتل أخيه عثمان، ولم يحارب مع أحد من الفريقين، وكان سخيا، شاعرًا، مات في أيام خلافة معاوية رضي الله عنه انظر: الاستيعاب 4/ 1552، سير أعلام النبلاء 3/ 412، الإصابة 6/ 614.
(2)
هو حمران بن أبان، مولى عثمان بن عفان، من ثقات التابعين، أدرك أبا بكر، وعمر وغيرهم من الصحابة، وهو أول سبي دخل المدينة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، مات سنة (71 هـ). انظر: تهذيب التهذيب 3/ 21، الإصابة 2/ 180، تكملة الإكمال 2/ 303.
(3)
هو أبو محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، سبط رسول اللَّه-صلى الله عليه وسلم، وريحانته، وأحد سيدي شباب الجنة، كان عاقلًا، حليمًا، محبًا للخير، فصيحًا، من أحسن الناس منطقًا وبديهة، كان من أشبه الناس برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولد في المدينة في السنة الثالثة للهجرة، وقيل الرابعة، ومات شهيدًا بالسم سنة (49 هـ). انظر: وفيات الأعيان 2/ 65، سير أعلام النبلاء 3/ 246، الإصابة 2/ 68.
(4)
قال النووي في "شرح مسلم"(11/ 219): "الحار: الشديد المكروه، والقار: البارد الهنيء الطيب، وهذا مثَلٌ من أمثال العرب، قال الأصمعي وغيره: معناه ولِّ شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية، أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة ويختصون به، يتولون نكدها وقاذوراتها، ومعناه: ليتول هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه الأدنين".
(5)
هو أبو جعفر، عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، صحابي، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين، مات سنة (80 هـ). انظر: الاستيعاب (3/ 880)، الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 40)، تهذيب التهذيب (5/ 149).
أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي" (1).
• وجه الدلالة: أن جلد شارب الخمر بقرينة الرائحة أو القيء ثابت عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم.
الدليل الرابع: أن تقيأ الخمر إنما يكون إذا شرِبها، فهو قرينة صريحة في الشرب (2).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا حد بموجب الرائحة، أو القيء. وهو قول الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5). ونسبه ابن قدامة لأكثر أهل العلم (6)، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (7).
القول الثاني: أن الذي يجب عليه الحد بالرائحة هو المشهور بين الناس بشرب الخمر وإدمانها. وهذا القول محكي عن بعض السلف (8)، منهم عمر بن الخطاب (9)، وعبد اللَّه بن الزبير (10).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1707).
(2)
انظر: المغني (9/ 139).
(3)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 196)، العناية شرح الهداية (5/ 308)، الفتاوى الهندية (2/ 160).
(4)
انظر: مغني المحتاج (5/ 520)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 205)، تحفة المحتاج (9/ 172 - 173).
(5)
انظر: المغني (9/ 138)، الفروع (6/ 82)، الإنصاف (10/ 233).
(6)
انظر: المغني (9/ 138).
(7)
انظر: فتح الباري (9/ 50).
(8)
انظر: فتح الباري (9/ 50).
(9)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9/ 228) عن إسماعيل بن أمية قال: "كان عمر إذا وجد من رجل ريح شراب جلده جلدات إن كان ممن يدمن الشراب وإن كان غير مدمن تركه".
(10)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 533)، وعبد الرزاق في "المصنف" (9/ 229) عن ابن أبي مليكة قال:"كتبت إلى ابن الزبير أصاله عن الرجل يوجد منه ريح الشراب فقال: إن كان مدمنًا فحده".
القول الثالث: أنه لا يحد بمجرد الرائحة بل لا بد أن ينضم معها قرينة أخرى، مثل أن يوجد جماعة شهروا بالفسق، ويوجد معهم خمر، ويوجد من أحدهم رائحة الخمر. وهذا القول مروي عن عطاء (1)، وحكاه ابن حجر عن الموفَّق ابن قدامة (2).
• دليل المخالف: استدل من منع الحد بالرائحة بـ:
أن الرائحة قد يكون سببها أن الرجل تمضض بها، أو شربها يحسبها ماء، أو شرابًا مباحًا ريحه كريح الخمر، أو نحو ذلك من الشُبَه المحتملة التي تدرأ بها الحدود (3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهي كما قال ابن حجر:"والمسألة خلافية شهيرة"(4).
وأما من نقل الإجماع فيها فإنما نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم في ذلك من باب الإجماع السكوتي الذي لا يُعرف له مخالف، وهذا منازع من وجهين:
(1) رواه الشافعي في "الأم"(6/ 194)، وأخرج ابن أبي شيبة (6/ 533) عن عطاء "أنه لا يرى في الريح حدًا".
(2)
انظر: فتح الباري (9/ 50)، حيث قال:"ولما حكى الموفَّق في "المغني" الخلاف في وجوب الحد بمجرد الرائحة اختار أن لا يحد بالرائحة وحدها، بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران أو يتقيأها، ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويوجد معهم خمر ويوجد من أحدهم رائحة الخمر".
ولم أجد هذا الاختيار للموفق في "المغني" بل حكى الخلاف في المسألة ونصر مذهب الحنابلة بعدم الحد بموجب الرائحة كما في المغني (9/ 138 - 139)، وإن كان إقامة الحد بموجب القيء كأنه يميل للقول به لكنه لم يصرِّح وإنما قوَّى الأدلة في ذلك.
(3)
انظر: المغني (9/ 138)، فتح الباري (10/ 65).
(4)
فتح الباري (9/ 50).