الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[180/ 3] مطلق السَّب بما لا يدل على الزنا؛ مثل: يا كاذب، أو يا أعور، أو يا منافق، لا يوجب الحد
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السب: السب: أصله القطع، يُقال: سبّه سبًا: أي قطعه، والمراد به هنا الشتم، وسُمي الشتم سبًا؛ لأنه يقطع ما بينه وبين من شتمه (1).
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية حقيقة السب بأنه: "الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح، ونحوه"(2).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا رمى شخص آخر بلفظ ليس فيه ما يدل على الزنا بأن وصفه بالكذب، أو الخيانة، أو الكفر، أو بشيء من الحيوانات كيا كلب، أو يا حمار، أو بشيء من صفات الجسد المعيبة كيا أعور، أو يا أعرج، أو نحو ذلك، فإن ذلك لا يكون لفظًا موجبًا لحد القذف.
ويتبيَّن من ذلك أنه لو كان لفظًا صريحًا في الزنا، مثل: يا زان، أو يدل عليه، مثل: يا لوطي، أو يا فاسق، أو يا فاجر، أو رماه بإتيان البهيمة، أو نحو ذلك، فهو غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا خبيث، أنه لا يؤخذ منه الحد"(3). وقال البغوي (516 هـ): "النسبة إلى غير الزنا من الفواحش إنما فيه التعزير. . . وهذا قول العلماء"(4).
(1) انظر: مقاييس اللغة (3/ 63)، لسان العرب، مادة:(سبب)، (1/ 455).
(2)
الصارم المسلول (1/ 563).
(3)
الإجماع (114).
(4)
شرح السنة (9/ 253).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "لو قال: يا كافر، يا فاسق، يا سارق، يا منافق، يا فاجر، يا خبيث، يا أعور، يا أقطع، يا أعمى، يا ابن الزَّمِن (1)، الأعمى الأعرج، فلا حد في ذلك كله. . . كما لو قال يا كاذب، يا نمام، ولا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم"(2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(3).
وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن قول الرجل للرجل: يا فاجر، يا فاسق، يا خبيث، لا يوجب الحد"(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (5) والمالكية (6)، والشافعية (7)، والظاهرية (8).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (9).
• وجه الدلالة: أن الآية الموجبة للقذف جاءت في حق من رمى بالزنا بدليل شرطية الشهداء الأربعة لسقوط الحد، ولا يقاس عليه غيره، فإنه لا مدخل
(1) الزَّمِن: هو المرض الملازم للشخص زمنًا طويلًا، كالضعف بكبر السن، ونحو ذلك، قال الفيومي في "المصباح المنير" (256):"زَمِنَ الشخص زَمَنًا وزَمَانَةً فهو زَمِنٌ، من باب تعِب، وهو مرض يدوم زمانًا طويلًا".
(2)
المغني (9/ 79).
(3)
الشرح الكبير على متن المقنع (10/ 221).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 249).
(5)
انظر: فتح القدير (5/ 347)، البناية شرح الهداية (6/ 391).
(6)
انظر: منح الجليل (9/ 286)، حاشية الدسوقي (4/ 330).
(7)
انظر: المجموع شرح المهذب (20/ 125)، مغني المحتاج (5/ 522).
(8)
انظر: المحلى بالآثار (12/ 21).
(9)
سورة النور، آية (4).
للقياس في الحدود، لأنها مبنية على الدرء بالشبهات (1).
الدليل الثاني: عن علي رضي الله عنه أنه سُئل عن قول الرجل للرجل: يا فاجر يا خبيث يا فاسق، قال:"هن فواحش، فيهن تعزيز، وليس فيهن حد"(2).
• وجه الدلالة: أن عليًا رضي الله عنه قضى بأن رمي الشخص بالفجور أو الفسق ليس من القذف الموجب للحد، مع أنها ألفاظ محتملة لمعنى الزنا، فمن باب أولى ما دونها من الألفاظ التي لا تدل على معنى الزنا ألا تكون قذفًا موجبًا للحد.
الدليل الثالث: لأن الرامي هنا قد رماه بما لا يوجب الحد، فأشبه ما لو قذفه باللمس والنظر (3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
(1) انظر: البحر الرائق (5/ 46)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 208)، المغني (9/ 79).
(2)
أخرج هذه الآثار ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 581)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 253)، وابن الجعد في مسنده (326)، وحسنه الألباني كما في "مختصر إرواء الغليل"(326).
(3)
انظر: المغني (9/ 79).