الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (1)، والشافعية (2).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يسنَّه" متفق عليه (3).
• وجه الدلالة: أن عليًا رضي الله عنه أوجب الدية في شارب الخمر بسبب أنه ليس ثمة سُنّة متَّبعة في حده بمقدار معيَّن، وذلك يدل على أن كل زيادة على الحد المقدَّر تجب فيه الدية.
الدليل الثاني: أن الذي تعدى في إقامة الحد لم يأذن له الشارع بذلك، والمحدود تلف بسبب ذلك التعدي، فيلزم الضمان على المتعدي، كما لو في غير الحد، بجامع أن كلًا منهما تعدٍ غير مأذون به شرعًا (4).
النتيجة:
سألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[4/ 1] عدم إقامة الحدود في دار الحرب
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف دار الحرب: المراد بدار الحرب بلاد العدو من الكفار الحربيين، الذين ليس بيننا وبينهم صلح (5).
قال المرداوي: "دار الحرب: ما يغلب فيها حكم الكفر"(6).
(1) انظر: بدائع الصنائع (7/ 305)، البحر الرائق (5/ 53).
(2)
انظر: أسنى المطالب (4/ 163)، حاشية قليوبي (4/ 210).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6396)، ومسلم رقم (1707).
(4)
انظر: المغني (9/ 140).
(5)
انظر: القاموس الفقهي (84).
(6)
الإنصاف (4/ 121).
وسئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (1): "هل يحكم على أهل البلد بأنها بلاد كفر بظهور الشرك فيهم، أو بإطباقهم عليه، أو بولايتهم؟ "
فأجاب بقوله: "إذا ظهر الشرك ولم يُنكر ويزال حُكِم عليها بالكفر، ودعوى الإسلام لا تنفع، فمتى وجد الشرك ظاهرًا ولم يزال حُكم عليها بالكفر"(2).
ثانيًا: صورة المسألة: ذا ثبت الحد على شخص بما يوجب الحد، وكان قد قام بموجب الحد من زنا أو سرقة أو غيرهما في دار الحرب، فإنه لا يُقام عليه الحد ما دام في دار الحرب.
وينبَّه إلى أن من نقل الإجماع هنا مراده إذا قام بموجب الحد في غير المعسكر، فإن كان المسلمون في معسكر بدار الحرب، وقام أحد من في المعسكر بسرقة أو زنى، فإقامة الحد عليه هنا غير مرادة (3).
ويتبيَّن كذلك أنه لو أتى بالحد في دار الإسلام ثم خرج لدار الحرب، فذلك غير مراد.
وكذا مسألة هل يُقام عليه الحد إن رجع لدار الإسلام أو أن الحد يسقط عنه
(1) هو محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، فقيه، حنبلي، فقد بصره في الحادية عشرة من عمره، حفظ القرآن، وكثير من الكتب والمتون، وتصدر للتدريس، حتى عُيَّن مفتيًا للمملكة العربية السعودية، ثم رئيسًا للقضاة، ثم رئيسًا للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ورئيسًا للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئيسًا لتعليم البنات في المملكة، من تصانيفه:"الجواب المستقيم" و"تحكيم القوانين"، توفي سنة (1389 هـ). نظر: مشاهير علماء نجد لعبد الرحمن آل الشيخ 169 - 184، الأعلام 5/ 306.
(2)
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (6/ 162)، وانظر: درر الحكام (1/ 295).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 58)، تبيين الحقائق (3/ 182).
مطلقًا؟ ، فهذا غير مراد، وإنما المراد تحقيق الإجماع في أن الحد لا يُقام عليه ما دام في أرض العدو.
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ): "من أتى حدًا من الغزاة، أو ما يوجب قصاصًا، في أرض الحرب، لم يقم عليه حتى يقفل، فيقام عليه حده. . .؛ لأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم" ثم ذكر ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ثم قال: "وهذا اتفاق لم يظهر خلافه"(1). ونقله عنه ابن القيم (2). وابن قاسم (3).
وبمثله قال ابن قدامة نقل الإجماع شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(4).
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ)(5): "وإن أتى حدًا في الغزو لم يستوف منه حتى يخرج من دار الحرب. . .؛ لأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم"(6). وبمثله قال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ)(7)(8). . .
(1) المغني (9/ 248).
(2)
انظر: إعلام الموقعين (3/ 5).
(3)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 369).
(4)
انظر: الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (10/ 153).
(5)
هو أبو محمد، عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، المقدسي، بهاء الدين، فقيه، حنبلي، من الزهاد، نسبته إلى بيت المقدس، كان يؤم بمسجد الحنابلة بنابلس، ثم انتقل إلى دمشق، وسمع بها وببغداد، وانصرف آخر عمره للحديث، من كتبه:"العدة شرح العمدة"، ولد سنة (555)، وتوفي بدمشق سنة (624 هـ). نظر: سير أعلام النبلاء 22/ 270، شذرات الذهب 5/ 113، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 170.
(6)
العدة شرح العمدة (539).
(7)
هو أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد ابن مفلح، برهان الدين، فقيه حنبلي، مؤرخ، باشر القضاء في الديار الشامية نيابةً واستقلالًا أكثر من أربعين سنة، من كتبه:"المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد"، و"المبدع بشرح المقنع"، و"مرقاة الوصول إلى علم الأصول"، ولد سنة (816 هـ)، وتوفي سنة (884 هـ). نظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي 1/ 152، شذرات الذهب 7/ 338، معجم المؤلفين 1/ 100.
(8)
المبدع (9/ 59).
ونقله عن ابن مفلح البهوتي (1).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (2)، وذكر النووي أنه المشهور عند الشافعية (3).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه (4) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقام الحدود في دار الحرب)(5).
• وجه الدلالة: الحديث صريح في النهي عن إقامة الحدود في دار الحرب.
الدليل الثاني: عن بسر بن أبي أرطاة رضي الله عنه (6) قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: كشاف القناع (6/ 89)، مطالب أولي النهى (6/ 172).
(2)
انظر: المبسوط (9/ 99 - 100)، بدائع الصنائع (7/ 131)، تبيين الحقائق (3/ 182).
(3)
انظر: روضة الطالبين (7/ 312). لكن بالرجوع لكتب الشافعية فإن الصحيح في مذهبهم هو إقامة الحد في دار الحرب، كما سيأتي بيانه عند المخالفين للإجماع في المسألة، والذي يظهر أن ما ذكره النووي هو قول عند الشافعية.
(4)
هو أبو سعيد، زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري الخزرجي، كان أحد القراء الفقهاء، أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم في علم الفرائض، شهد الخندق وما بعدها، ولم يشهد بدرًا وأحدًا لصغره، وكانت ترِد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كُتب بالسريانية فأمر زيدًا فتعلمها في بضعة عشر يومًا، مات سنة (45 هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/ 538، معرفة الصحابة 2/ 462، الإصابة في تمييز الصحابة 2/ 592.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 105)، وفي معرفة السنن والآثار (7/ 45). الحديث فيه اتقطاع؛ لأنه من رواية مكحول عن زيد بن ثابت، ومكحول لم ير ثابت، ولهذه العلة ضعفه البيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 46).
(6)
هو أبو عبد الرحمن، بسر بن أبي أرطاة -وقيل: ابن أرطاة وصحح البخاري الأول- بن عمير بن عويمر، القرشي العامري، مختلف في صحبته، فأهل المدينة ينكرون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الشام يثبتون سماعه، لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثين، ولاه معاوية رضي الله عنه على اليمن، توفي سنة (86 هـ). نظر: الاستيعاب 1/ 157، معرفة الصحابة 1/ 413، الإصابة 1/ 289.
يقول: (لا تقطع الأيدي في الغزو)(1).
• وجه الدلالة: أن هذا قطع اليد للسارق حد من حدود اللَّه تعالى، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إقامته في الغزو، أي غزو دار الحرب، فكذا سائر الحدود (2).
الدليل الثالث: أنه مروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كعمر بن الخطاب، وحذيفة بن اليمان، وأبي الدرداء (3) رضي الله عنهم (4)، ولا مخالف لهم (5).
الدليل الرابع: أنه إذا جاء تأخير الحدود لأمر عارض من مرض، أو برد، أو حر، أو حمل ونحو ذلك مما فيه مصلحة للمحدود، فإن تأخير الحد عن المجاهد إلى الرجوع إلى دار الإسلام لمصلحة الإسلام، كحاجة المسلمين إلى
(1) أخرجه أحمد (29/ 168)، والترمذي، رقم (1450) وقال:"حديث غريب"، وأبو داود رقم (4408) ولفظه:(لا تقطع الأيدي في السفر)، والنسائي، رقم (4979).
والحديث صححة العلماء منهم ابن حجر حيث قوى إسناده في "الإصابة"(1/ 289) فقال: "وفي سنن أبي داود بإسناد مصري قوي" ثم ذكر الحديث، وصححه كذلك الألباني في مشكاة المصابيح (3/ 1378).
وضعفه البيهقي في "السنن الصغرى"(3/ 402)؛ لأن بسر بن أرطاة غير صحابي فالحديث مرسل، وكذا ضعفه النسائي في "السنن الكبرى"(4/ 349)، وأشار إلى ضعفه ابن القيم في "إعلام الموقعين"(2/ 386).
(2)
انظر: إعلام الموقعين (3/ 6).
(3)
اختلف في اسمه فقيل: عويمر، وقيل: عامر وعويمر لقب، واختلف في اسم أبيه فقيل: عامر، أو مالك، أو ثعلبة، أو عبد اللَّه، أو زيد، ابن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، أسلم يوم بدر، وشهد أحدًا وأبلى فيها، ولاه معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر، مات سنة (32 هـ). نظر: الاستيعاب 4/ 1646، التاريخ الكبير 7/ 76، الإصابة 4/ 747.
(4)
للنظر في هذه الآثار وكلام أهل العلم عليها انظر: سنن سعيد ابن منصور (2/ 196)، ومصنف عبد الرزاق (5/ 197)، ومصنف ابن أبي شيبة (6/ 665)، ومعرفة السنن والآثار (7/ 45)، والمغني (9/ 248)، وإعلام الموقعين (3/ 6).
(5)
انظر: المغني (9/ 248).
المحدود في القتال، أو الخوف من ارتداده ولحوقه بالكفار جائز من باب أولى (1).
الدليل الخامس: أن الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه، وفي دار الحرب فإن الإمام لا ولاية له لأجل أن يقيم الحد على من وجب عليه، بخلاف من أتى بالحد في المعسكر فإنه تحت ولاية الإمام فيقيم الحد عليه حينئذٍ (2).
الدليل السادس: أن في إقامة الحد على من هو في دار الحرب مفسدة تزيد على مصلحة إقامة الحد؛ إذ قد يترتب عليه لحوق صاحبه بالمشركين خوفًا، أو حمية وغضبًا (3).
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجب على الإمام إقامة الحد ولو في دار الحرب، إلا إن خيف على من وجب عليه الحد الفتنة، فهنا يؤخر عنه الحد حتى يرجع. هو قول المالكية (4)، والشافعية (5).
ونسب الخطابي هذا القول لأكثر الفقهاء حيث قال: "أما أكثر الفقهاء فإنهم لا يفرقون بين أرض الحرب وغيرها"(6).
(1) انظر: إعلام الموقعين (3/ 6).
(2)
انظر: المبسوط (9/ 100)، البحر الرائق (5/ 18 - 19)، والعناية على الهداية للبابرتي (5/ 267).
(3)
انظر: إعلام الموقعين (3/ 6).
(4)
انظر: حاشية الدسوقي (2/ 180)، شرح مختصر خليل (3/ 117)، منح الجليل لعليش (3/ 157). وخالف ابن الماجشون من المالكية فذهب إلى قول الحنفية أن من أتى حدًا بدار الحرب فإنه لا يقام عليه الحد ولو رجع لدار الإسلام. نظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/ 649).
(5)
انظر: الأم (7/ 374)، معرفة السنن والآثار (7/ 45)، أسنى المطالب (4/ 131)، مغني المحتاج (5/ 452)، المجموع (19/ 338). وإنما أكثرت من ذكر مراجع الشافعية لبيان أن المذهب عند الشافعية هو إقامة الحدود في دار الحرب، خلافًا لما ذكره النووي.
(6)
معالم السنن للخطابي (3/ 312).