الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني عقوبة شارب الخمر
كان الخمر في أول الإسلام مباحًا، يحل شربه، وبيعه، وغير ذلك، كسائر الأشربة المباحة، وكان شرب الخمر مشهورًا في الجاهلية لا يكاد يسلم منه إلا القليل، فكان من حكمة الشارع أن تدرج في تحريم الخمر على مراحل ثلاث هي كالتالي: المرحلة الأولى: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)} (1).
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر فنزلت هذه الآية مبيِّنة أن ضررها أكثر من نفعها، وأن الترك أفضل لما فيه من الضرر الزائد على المنفعة، دون التصريح بتحريم الخمر، وإنما ذكر أن فيه إثم لما يحصل فيه من تغييب للعقل، والذي يحصل بسببه فعل للمحظور وترك للمأمور، وذكر أن فيه منافع وهو ما يحصل بشربها من اللذة، والتجارة في بيعها، ونحو ذلك.
فلما نزلت هذه الآية ترك بعض الصحابة رضي الله عنهم شرب الخمر؛ لكون الإثم فيها أكبر من النفع، بينما استمر آخرون على شربها؛ لعدم النهي عنها (2).
المرحلة الثانية: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الآية نزلت باتفاق العلماء قبل أن تحرم
(1) سورة البقرة، آية (219).
(2)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 286).
(3)
سورة النساء، آية (43).
الخمر" (1)، فهذا الآية جاء فيها النهي صراحة عن شرب الشرب قبيل الصلاة، حتى لا يحضر الشخص الصلاة وهو فاقد للعقل لا يدري ما صلى، فترك قوم شرب الخمر مطلقًا لكونها تُشغل عن الصلاة، واستمر آخرون على شربها، واجتنابها أوقات الصلاة فقط، على موجب النهي في الآية.
فلما أنزل تعالى هذه الآية كانت صريحة في النهي عن شرب الخمر، وعندها أراق الصحابة رضي الله عنهم الخمور فجرت في سكك المدينة.
ولما كان في تعاطي الخمر إفساد للعقل، وتضييع للمال، جعلت الشريعة شرب الخمر من المحرَّمات الكبائر، وأوجب على شاربها حدًا يردعه عن ذلك (3)، وقد اختلف أهل العلم في حد شارب الخمر على أقوال:
القول الأول: جلد شارب الخمر ثمانون جلدة إن كان حرًا، وأربعون جلدة إن كان عبدًا. وهو قول الحنفية (4)، . . .
(1) مجموع الفتاوى (10/ 437)، وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية هو على القول بأن المراد بالسكر هنا هو شرب الخمر، وهو قول الأكثر كما قال القرطبي في "تفسيره" (5/ 201):"الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر سكر الخمر" وذهب الضحاك بن مزاحم إلى أن المراد بالسكر هنا هو سكر النوم، والمراد بها النهي عن الصلاة عند غلبة النوم. انظر: تفسير ابن جرير (3/ 378)، معالم التنزيل (1/ 627).
(2)
سورة المائدة، آية (90 - 91).
(3)
وجلد شارب الخمر من باب الحد هو قول أكثر أهل العلم، وحكي الإجماع عليه، وذهبت طائفة إلى أن جلده من باب التعزير، وسيأتي بيان المسألة مفضلة بأدلتها في المسألة رقم 248 بعنوان:"ثبوت حد الخمر".
(4)
انظر: المبسوط (24/ 31)، بدائع الصنائع (5/ 113).
والمالكية (1)، والحنابلة (2).
القول الثاني: جلد شارب الخمر أربعون جلدة إن كان حرًا، وعشرون جلدة إن كان عبدًا.
وهو قول الشافعية (3)، ورواية عند الحنابلة (4) وبه قال الظاهرية (5).
القول الثالث: وجوب جلد شارب الخمر، إلا أنه ليس في جلد شارب الخمر عددٌ معيَّن (6).
وسيأتي بيان أدلة كل فريق مفصلًا، في ثنايا مسائل هذا الباب (7).
(1) انظر: المدونة (4/ 516)، المنتقى شرح الموطأ (3/ 146).
(2)
انظر: المغني (9/ 143)، مطالب أولي النهى (6/ 212).
(3)
انظر: أسنى المطالب (4/ 160)، تحفة المحتاج (9/ 171).
(4)
انظر: المغني (9/ 137)، الفروع (6/ 101).
(5)
انظر: المحلى (12/ 367).
(6)
انظر: المحلى (12/ 356)، سبل السلام (2/ 444).
(7)
انظر المسألة رقم 250 بعنوان: "حد شارب الخمر ثمانون جلدة إن كان حرًا".