الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[171/ 3] الحربي والذمي والمستأمن الذين لم يُسلموا إذا أوقع أحدهم قذف المسلم في دار الإسلام فعليه ما على المسلم من الحد
.
• المراد بالمسألة: المراد بالذمي: هو من كان بيننا وبينه عهد على أن يقيم في بلادنا معصوم الدم والمال.
أما الحربي فقد سبق أنه من ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد ولا أمان، فإن دخل بأمان فهو مستأمن (1).
• ثانيًا: صورة المسألة: الذمي الذي بيننا وبينه عهد، أو الحربي الذي ليس بيننا وبينه عهد إذا قذف أحدهم شخصًا مسلمًا في دار الإسلام، فإنه يجب عليه حد القذف ثمانون جلدة.
ويتبيَّن مما سبق أنه لو قذف في غير دار الإسلام فذلك غير مراد.
كما ينبَّه إلى أن هذا في الحربي والذمي إذا لم يُسلم أحد منهما، فإذا أسلم فالمسألة غير مرادة.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن النصراني إذا قذف المسلم الحر، أن عليه ما على المسلم إذا قذف المسلم"(2). وقال القرطبي (671 هـ): "وإذا قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة، لا أعلم في ذلك خلافًا"(3).
وقال الزيلعي (743 هـ): "لا يقام على المستأمن والمستأمنة شيء من الحدود. . . وحدُّ القذف يجب بالاتفاق"(4). وقال أبو بكر العبادي (800 هـ): "وحد القذف، والقصاص يقام عليه [أي المستأمن] بالإجماع، أما الذمي فهو
(1) انظر: السياسة الشرعية (112)، المعجم الوسيط (1/ 315)، وقد سبق تفصيل ذلك في المسألة رقم 136 بعنوان:"ما فعله الحربي في دار الحرب من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه".
(2)
الإجماع (113).
(3)
تفسير القرطبي (12/ 174).
(4)
تبيين الحقائق (3/ 182).
فيما سوى حد الشرب كالمسلم إجماعًا" (1).
وقال العيني (855 هـ): "والحربي إذا قذف مسلمًا يجب عليه بالاتفاق"(2). وقال ابن الهمام (861 هـ) في بيان حكم الحربي: "وحد القذف يجب اتفاقًا"(3).
وقال ابن نجيم (970 هـ): "وأما الذمي فيجب عليه جميع الحدود اتفاقًا"(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية في الذمي (5)، والحنابلة (6)، والظاهرية في الذمي (7).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن صفوان بن عسال رضي الله عنه (8) قال: "قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم، قال له صاحبه: لا تقل نبي، لو سمعك كان له أربعة أعين (9)، فأتيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسألاه عن تسع آيات بينات، فقال لهم: (لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تولوا يوم الزحف، وعليكم خاصة
(1) الجوهرة النيرة (2/ 156).
(2)
البناية شرح الهداية (6/ 336)، وقال أيضًا (6/ 386):" (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فقذف مسلمًا حد) بإجماع الأئمة الأربعة".
(3)
فتح القدير (5/ 269).
(4)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 42).
(5)
انظر: أسنى المطالب (4/ 135)، تحفة المحتاج (9/ 119)، مغني المحتاج (5/ 461).
(6)
انظر: المغني (9/ 112)، الإنصاف (4/ 214)، حاشية الروض المربع (7/ 301)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6/ 159)
(7)
المحلى (12/ 65)، أما الحربي والمستأمن فلم أجد لهم نصًا في ذلك.
(8)
هو أبو عبد الرحمن، صفوان بن عسال المرادي، سكن الكوفة، غزا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة، أقام بالمدينة حتى مات بها، ولا يُعرف له سنة وفاة. انظر: الاستيعاب 2/ 724، معجم الصحابة 3/ 340، الإصابة 3/ 436.
(9)
هذا من باب الكناية عن زيادة الفرح وفرط السرور، فإن الفرح يوجب قوة الأعضاء، وتضاعف القوى يشبه تضاعف الأعضاء الحاملة لها. انظر: حاشية السندي على النسائي (7/ 111).
يهود أن لا تعدوا في السبت) فقبلوا يديه ورجليه، وقالوا: نشهد أنك نبي، قال:(فما يمنعكم أن تتبعوني؟ ) قالوا: إن داود دعا بأن لا يزال من ذريته نبي، وإنَّا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود" (1).
(1) أخرجه أحمد (30/ 13)، والترمذي، كتاب: الذبائح، باب: ما جاء في قبلة اليد والرجل رقم (2733)، والنسائي، كتاب: تحريم الدم، باب: السحر رقم (4078)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب: السير، باب: تأويل قول اللَّه جل ثناؤه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ} رقم (8602).
والحديث احتج به جماعة من أهل العلم فقال الترمذي في "السنن"(5/ 77): "هذا حديث حسن صحيح"، وقال الحاكم في "المستدرك" (1/ 9):"هذا حديث صحيح لا نعرف له علة بوجه من الوجوه، ولم يخرجاه"، وقال الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (3/ 191):"إسناده صحيح".
بينما ضعفه آخرون منهم قال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الشرعية الكبرى"(4/ 153):
"أنكر النسائي هذا الحديث"، وكذا ضعَّفه الألباني في "مشكاة المصابيح"(1/ 13).
ومن ضعَّف الحديث فقد ضعَّفه من جهة المتن، قال جمال الدين الزيلعي في "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري" (2/ 293): "والحديث فيه إشكالان:
أحدهما: أنهم سألوا عن تسعة وأجاب في الحديث بعشرة، وهذا لا يرد على رواية أبي نعيم والطبراني لأنهما لم يذكرا فيه السحر، ولا على رواية أحمد أيضا لأنه لم يذكر القذف مرة وشك في أخرى، فيبقى المعنى في رواية غيرهم، أي خذوا ما سألتموني عنه وأزيدكم ما يختص بكم لتعلموا وقوفي على ما يشتمل عليه كتابكم.
الإشكال الثاني: أن هذه وصايا في التوراة ليس فيها حجج على فرعون وقومه، فأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون، وما جاء هذا إلا من عبد اللَّه ابن سلمة؛ فإن في حفظه شيئًا، وتكلموا فيه، وأن له مناكير، ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر كلمات، فاشتبه عليه بالتسع آيات، فوهم في ذلك".
والظاهر أن الحديث صحيح، وأن هذين الإشكالين لا يطعنان في صحة أصل الحديث، لا سيما بشواهده، وأما الإشكال الذي ذكره الزيلعي بأن اليهوديين إنما سألا عن التسع آيات المعجزات التي كانت لموسى عليه السلام، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم عشرًا ليس فيه آية من آيات موسى إنما هي أحكام شرعية ووصايا فأجيب عنه بجوابين: =
• وجه الدلالة: قوله صلى الله عليه وسلم لليهوديين: (ولا تقذفوا المحصنة) يدل على أنه استوى المسلم والذمي في التحريم، فوجب عليه الحد إذا قذف مسلمًا.
الدليل الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "خرجت جارية عليها أوضاح بالمدينة، فرماها يهودي بحجر، فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال: (فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة: (فلان قتلك)؟ فخفضت رأسها، فدعا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقتله بين الحجرين" متفق عليه (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على اليهودي، فدل على أن الحدود التي تقام على المسلمين تُقام على الذِّمي (2).
الدليل الثالث: أن القذف فيه حق للعبد، وعقد الهدنة اقتضى الكف عن أموالنا وأعراضنا وأموالهم وأعراضهم، فإذا لم يكفوا وجب عليهم الحد (3).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحربي والمستأمن إذا قذف المسلم فإنه لا يُقام عليه الحد.
وهو قول أبي حنيفة القديم ثم رجع عنه (4)، وبه قال الشافعية (5).
• دليل المخالف: علل الشافعية لعدم إقامة حد القذف على الحربي بأنه لم
= الأول: ما ذكره الزيلعي، وهو أنهما إنما سألا عن العشر كلمات، فوهم الراوي وظنها التسع آيات.
الثاني: أن في الحديث حذفًا واختصارًا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالتسع آيات التي كانت لموسى عليه السلام، ثم بعد بذلك ذكر لهم عشر من الوصايا، والراوي لم يذكر تلك التسع البينات، وإنما ذكر الوصايا العشر. انظر: حاشية السندي على النسائي (7/ 111).
(1)
أخرجه البخاري رقم (2282)، ومسلم رقم (1672).
(2)
انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (12/ 285).
(3)
كشاف القناع (3/ 115).
(4)
انظر: المبسوط (9/ 119).
(5)
انظر: أسنى المطالب (4/ 135)، تحفة المحتاج (9/ 119)، مغني المحتاج (5/ 461).