الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
المبحث الأول: تعريف الخمر لغة واصطلاحًا:
• أولًا: تعريف الخمر لغة: أصل مادة الخاء والميم والراء بمعنى التغطية والمخالطة، قال ابن فارس:"الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية، والمخالطةِ في سَتْر"(1)، ومنه الخمار: وهو ما يُغطي وجه المرأة، والمخامرة: بمعنى المخالطة، ومنه يقال: رجل خَمر: أي خالطه داء.
ومنه شراب الخمر، وهو يُذكر ويؤنث، فيقال: هو الخمر، وهي الخمر، والتأنيث أشهر (2). والخمر: كل ما أسكر العقل، وقيل: هو ما أسكر من عصير العنب خاصة، قال الفيروزآبادي:"الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عام، والعموم أصح"(3). سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تخامر العقل، أي تخالطه، وتُخمِّره: أي تغطيه وتستره (4).
ومما سبق يتبيَّن أن حقيقة الخمر اللغوية وقع فيها الخلاف هل هي خاصة بعصر العنب، أو هي عامة بكل مُسكر.
• ثانيًا: تعريف الخمر اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في حقيقة الخمر الشرعية، بناء على اختلافهم في حقيقتها اللغوية، على قولين: القول الأول: أن الخمر هو اسم للنيئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد. وهو مذهب الحنفية (5)، وبه
(1) مقاييس اللغة (2/ 215).
(2)
انظر: القاموس المحيط، فصل الخاء، (1/ 495)، لسان العرب، مادة:(خمر)، (4/ 254).
(3)
القاموس المحيط، فصل الخاء، (1/ 495).
(4)
انظر: الصحاح (3/ 213)، تهذيب الأسماء واللغات (3/ 93)، تهذيب اللغة (7/ 162).
(5)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 112)، تبيين الحقائق (6/ 44)، مجمع الأنهر (2/ 569).
ونسب أبو بكر الجصاص هذا القول في "أحكام القرآن"(1/ 443) للجمهور الأعظم من الفقهاء، وما قاله يحتاج لتحقيق، فإن مذهب الجمهور هو على خلاف ذلك القول.
قال بعض الشافعية (1).
القول الثاني: أن الخمر هو كل ما أسكر من كل شراب، سواء أكان من عصير العنب، أو الشعير، أو الزبيب، أو التمر، أو القمح، أو الأرز، أو غيره، وسواء أسكر قليله أو كثيره.
وهو قول المالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، وابن حزم (5).
• ثمرة الخلاف بين القولين: من القولين السابقين يمكن تحصيل ما يلي:
أولًا: اتفق الفقهاء على أن عصير العنب النيئ إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، فإنه خمر، ويحرم شرب قليله وكثيره، وقد حكى الإجماع على ذلك جماعة من أهل العلم منهم الطحاوي (6)، وأبو بكر الجصاص (7)، وابن حزم (8)، والبيهقي (9)، وابن عبد البر (10)، والقاضي عياض (11)، وابن هبيرة (12)، وابن حجر (13)، وغيرهم (14).
(1) انظر: حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 83)، مغني المحتاج (4/ 186).
(2)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 147)، شرح مختصر خليل (8/ 342).
(3)
انظر: مغني المحتاج (5/ 515)، الأحكام السلطانية (284).
(4)
انظر: الفروع (6/ 99)، الإنصاف (10/ 228).
(5)
انظر: المحلى (6/ 176).
(6)
انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 359).
(7)
انظر: أحكام القرآن (2/ 648).
(8)
انظر: مراتب الإجماع (136).
(9)
انظر: السنن الكبرى (8/ 295).
(10)
انظر: الاستذكار (8/ 10 - 11).
(11)
انظر: إكمال المعلم (6/ 226).
(12)
انظر: الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 292).
(13)
انظر: فتح الباري (10/ 35).
(14)
انظر: سبل السلام (2/ 442)، نيل الأوطار (7/ 166).
وسيأتي بيان المسألة مع نص نقولات أهل العلم في الإجماع عليها، في المسألة رقم 224 بعنوان:"عصير العنب النيئ إذا غلى واشتد وقذف الزبد فهو خمر".
ثانيًا: اختلف الفقهاء فيما سوى ذلك من الأشربة المُسكرة على قولين: فذهب الحنفية إلى التفريق بين الخمر وبين المُسكر، فالخمر خاص بعصر العنب، والمسكر عام في بعصر العنب ويُحد بشرب القدر المسكر منها وغير المسكر. وأما ما عداها من الأشربة فلا يُحد إلا بشرب القدر المسكر منها.
أما الجمهور فلم يذهبوا إلى هذه التفرقة، فما أسكر كثيره، فالقليل منه حرام، ويجب به الحد، سواء كان من عصير العنب أو غيره.
• الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- ترجيح القول الثاني، وهو قول الجمهور؛ لما يلي من الأدلة: الدليل الأول: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام)(1).
الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة، من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل" متفق عليه (2).
الدليل الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب"(3).
الدليل الرابع: عن جابر رضي الله عنه: أن رجلًا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المِزْر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أوَمسكر هو)؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كل مسكر حرام، إن على اللَّه عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (203).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4343)، وصحيح مسلم رقم (3032).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4340).
الخبال)، قالوا: يا رسول اللَّه وما طينة الخبال؟ قال: (عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار)(1).
• وجه الدلالة: الأحاديث صريحة في تحريم كل مسكر من العنب، أو التمر، أو العسل، أو الذرة، أو غيره.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2002).