الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: عقوبة الزنا
كان حد الزاني في صدر الإسلام الحبس في حق الثيب حتى الموت، والأذى بالكلام من التقريع والتوبيخ في حق البكر، وقيل: الحبس هو في حق النساء، والأذى في حق الرجال، وقيل: الحبس في حكم الزنا، والأذى في حكم اللواط (1)، ودليل ذلك قول اللَّه تعالى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)} [النساء: 15، 16](2).
ثم نُسخ ذلك الحكم برجم المحصن وجلد البكر، وأجمع أهل العلم على ذلك (3)، وإنما اختلفوا في طريق نسخه، فقيل بأنه نُسخ بالسنة فيما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)(4).
وقيل: نسخُ ذلك كان بالقرآن، أما في حق المحصن فكان نسخ حكمه بآية الرجم التي نُسخ رسمها وبقي حكمها، وهي: "والشيخ والشيخة إذا زنيا
(1) تفسير ابن كثير (2/ 233)
(2)
سورة النساء، آية (15 - 16).
(3)
وممن حكى الإجماع أبو بكر الجصاص في "الفصول في الأصول"(2/ 356)، وبن حزم في "المحلى"(12/ 167)، وابن عطية في "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"(2/ 22)، وابن كثير في تفسيره (2/ 233)، والقرطبي في تفسيره (5/ 85)، والخازن في تفسيره (1/ 495)، وغيرهم.
وسيأتي نص نقولات من حكى الإجماع على نسخ هذا الحكم وبيان الأدلة في المسألة رقم 108 بعنوان: "حبس الزاني والزانية منسوخ".
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1690).
فارجموهما البته"، وأما البكر فكان نسخه بقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور: 2](1).
وبعد هذا العرض يمكن بيان عقوبة الزنا على قسمين:
القسم الأول: أن يكون الزاني محصنًا، فهذا عقوبته الرجم بالحجارة حتى يموت، ويدل على ذلك ما يلي:
الدليل الأول: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال:(أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرُجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إِمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث" (2).
الدليل الثاني: عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن امرأة من جهينة أتت نبي اللَّه
(1) سورة النور، آية (2).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1695)، وأخرج البخاري إقرار ماعز رقم (2502).
-صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت يا نبي اللَّه أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وليها فقال (أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها)، ففعل، فأمر بها نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر رضي الله عنه: تصلي عليها يا نبي اللَّه وقد زنت؟ فقال: (لقد ثابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للَّه تعالى)(1).
الدليل الثالث: عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (2).
الدليل الرابع: عن البراء بن عازب رضي الله عنه (3) قال: مُرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي
(1) أخرجه مسلم رقم (1696).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(3)
هو أبو عمارة، البراء بن عازب بن حارث بن عدي ابن الحارث بن الخزرج الأنصاري، استصغر يوم بدر، شهد مع علي الجمل الصفين والنهروان، وافتتح الري سنة أربع وعشرين صلحا أو عنوة، توفي سنة (72 هـ). انظر: الاستيعاب 1/ 155، سير أعلام النبلاء 3/ 195، الإصابة 1/ 278.
محمَّمًا (1) مجلودًا، فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال:(هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ )، قالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم، فقال:(أنشدك باللَّه الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ ) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه) فأمر به فرُجم. . . الحديث (2).
الدليل الخامس: إجماع أهل العلم على أن الزاني المُحصن حدُّه الرجم وممن حكى الإجماع عليه ابن المنذر (3)، وابن بطال (4)، والماوردي (5)، وابن حزم (6)، وابن عبد البر (7)، والمرغيناني (8)(9)، والقاضي عياض (10)، وابن
(1) أي مسوَّد الوجه بسبب الحممة، والحممة هي الفحم، والأحَمُّ يطلق على الأسودُ من كل شيء. انظر: المخصص (1/ 60)، غريب الحديث لابن سلام (1/ 194)، المعجم الوسيط (1/ 200).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1700)، وبنحوه أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4280) من حديث عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما.
(3)
الإجماع (112).
(4)
شرح صحيح البخاري (8/ 431).
(5)
الحاوي الكبير (13/ 192)
(6)
المحلى (12/ 169).
(7)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (9/ 79)، والاستذكار (7/ 485)(7/ 478).
(8)
أبو الحسن، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني، الرشداني، المرغيناني، برهان الدين، الحنفي، عالم ما وراء النهر، قال الذهبي:"كان من أوعية العلم"، من تصانيفه:"الهداية"، و"البداية"، و"كفاية المنتهى"، ولد سنة (511 هـ)، وتوفي سنة (593 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 232، الجواهر المضية 1/ 383، الأعلام 5/ 73.
(9)
الهداية شرح البداية (2/ 96).
(10)
إكمال المعلم (5/ 270).
رشد الحفيد (1)، وابن قدامة (2)، والنووي (3)، وابن الهمام (4)، وشمس الدين ابن قدامة (5)، وابن تيمية (6)، وغيرهم (7).
القسم الثاني: أن يكون الزاني غير محصن، فهذا عليه عقوبتان:
العقوبة الأولى: جلد مائة: وهذه العقوبة محل إجماع بين أهل العلم كما حكاه ابن بطال (8)، وابن حزم (9)، وابن عبد البر (10)، وابن رشد الحفيد (11)، والنووي (12)، وابن حجر (13)، وغيرهم (14).
العقوبة الثانية: التغريب لمدة عام: وقد اختلف الفقهاء في هذه العقوبة على أقوال ثلاثة أذكرها على سبيل الإجمال:
القول الأول: النفي ليس عقوبة على الزاني غير المحصن، وإنما هو من باب السياسة الشرعية للإمام أن ينفيه وله ألا ينفيه، وهو مذهب الحنفية (15).
القول الثاني: أن النفي عقوبة على الزاني غير المحصن الذكر، أما الأنثى
(1) بداية المجتهد (2/ 356)(2/ 357).
(2)
المغني (9/ 39)(9/ 41).
(3)
شرح النووي (11/ 189)
(4)
فتح القدير (5/ 224).
(5)
الشرح الكبير (10/ 155).
(6)
مجموع الفتاوى (20/ 399).
(7)
انظر: الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 255)، المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (7/ 216)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري (11/ 150)، الاختيار تعليل المختار (4/ 88).
(8)
شرح صحيح البخاري (8/ 467).
(9)
المحلى (12/ 169).
(10)
الاستذكار (7/ 480)(7/ 485).
(11)
بداية المجتهد (2/ 367).
(12)
شرح النووي (11/ 189).
(13)
فتح الباري (12/ 157).
(14)
انظر: مطالب أولي النهى (6/ 179)، وسيأتي نقولات أهل العلم في المسألة رقم 114 مع الأدلة تحت عنوان:"حد الزاني البكر الجلد مائة جلدة".
(15)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 174)، فتح القدير (5/ 241)، العناية شرح الهداية (5/ 241).
فلا تغريب عليها، وهو مذهب المالكية (1).
القول الثالث: النفي عقوبة على الزاني المحصن ذكرًا كان أو أنثى، وهو مذهب الشافعية (2)، والحنابلة (3)، وابن حزم (4).
وسيأتي بيان الأقوال في المسألة والأدلة مفصلّة ضمن مسائل هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى (5).
ولإتمام هذه المسألة أختم بضابط الإحصان في حد الزنا:
المحصن في حد الزنا هو من اجتمعت فيه الشروط التالية:
الأول: أن يكون بالغًا، فمن وطء وهو غير بالغ، فإنه لا يكون محصنًا، وهذا الشرط محل إجماع بين أهل العلم، كما حكاه ابن عبد البر (6)، والكاساني (7)، وغيرهما (8).
الثاني: أن يكون عاقلًا، فمن وطء وهو مجنون، فلا يكون محصنًا، وهذا الشرط محل إجماع بين أهل العلم، كما حكاه ابن عبد البر (9)، والكاساني (10)، وغيرهما (11).
(1) انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 137)، التاج والإكليل (8/ 397)، حاشية الدسوقي (4/ 321 - 322).
(2)
انظر: شرح النووي (11/ 189)، أسنى المطالب (4/ 129)، تحفة المحتاج (9/ 109).
(3)
المغني (9/ 45)، الشرح الكبير (10/ 165)، شرح الزركشي (3/ 102).
(4)
المحلى (12/ 105).
(5)
انظر المسألة رقم 107 بعنوان: "النفي مجمع عليه كعقوبة في الزنا".
(6)
الاستذكار (7/ 484).
(7)
بدائع الصنائع (7/ 37 - 38).
(8)
وسيأتي بيان هذه المسألة بأدلتها، في المسألة رقم 116 بعنوان:"يشترط للإحصان الحرية".
(9)
الاستذكار (7/ 484).
(10)
بدائع الصنائع (7/ 37 - 38).
(11)
وإنما خالف بعض الشافعية في صورة وهي من وطئ في نكاح صحيح وهو غير بالغ، فإنه إذا بلغ يكون محصنًا بسبب وطئه الحاصل قبل البلوغ. انظر: أسنى المطالب (4/ 128)، حاشيتا =
الثالث: أن يكون حرًا، فالرقيق لا يكون محصنًا، ولا يُقام عليه حد الرجم.
وهذا الشرط عليه الجمهور من الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)(5).
الرابع: أن يطأ في نكاح صحيح، فإن وطء بغير نكاح كزنا، أو ملك يمين، أو وطئ امرأة يظنها زوجته فبانت بخلافه، فلا يكون محصنًا، وهذا محل إجماع بين أهل العلم وسيأتي بيانه (6).
وكذا لو عقد على امرأة لكنه لم يطأها فإنه لا يكون محصنًا؛ لعدم حصول الوطء منه، وهذا محل إجماع بين أهل العلم وسيأتي بيانه (7).
وكذا لو وطء في نكاح لكنه نكاح فاسد، كنكاح المتعة، فلا يكون صاحبه محصنًا، وهذا قول الجمهور من الحنفية (8)، والمالكية (9)، والشافعية (10)،
= قليوبي وعميرة (4/ 181 - 182)، نهاية المحتاج (7/ 427). وسيأتي بيان هذه المسألة بأدلتها، في المسألة رقم 115 بعنوان:"يشترط للإحصان البلوغ والعقل".
(1)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 37 - 38)، تبيين الحقائق (3/ 173)، العناية شرح الهداية (5/ 236).
(2)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 331)، مواهب الجليل (6/ 295)، شرح مختصر خليل (8/ 81).
(3)
انظر: أسنى المطالب (4/ 128)، تحفة المحتاج (9/ 108)، الغرر البهية (5/ 85).
(4)
انظر: المغني (9/ 42)، الشرح الكبير (10/ 160)، المبدع (9/ 62).
(5)
وسيأتي بيان هذه المسألة كاملة برقم 115 وعنوان: "يشترط للإحصان البلوغ والعقل".
(6)
في المسألة رقم 117 بعنوان: "يشترط للإحصان النكاح، وأن يكون النكاح صحيحًا، وأن يطأ في النكاح الصحيح".
(7)
في المسألة رقم 117 بعنوان: "يشترط للإحصان النكاح، وأن يكون النكاح صحيحًا، وأن يطأ في النكاح الصحيح".
(8)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 37 - 38)، تبيين الحقائق (3/ 173)، العناية شرح الهداية (5/ 236).
(9)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 331)، مواهب الجليل (6/ 295)، شرح مختصر خليل (8/ 81).
(10)
انظر: أسنى المطالب (4/ 128)، تحفة المحتاج (9/ 108)، الغرر البهية (5/ 85).
والحنابلة (1)(2).
الخامس: أن يكون الوطء في القبل، فإن وطء في غير القُبل كالدبر، أو الفم، أو بين الفخذين، ونحوه فلا يكون محصنًا (3).
السادس: أن يكون مسلمًا، فالكافر كالذمي ونحوه لا يكون محصنًا، ولا يُقام عليه حد الرجم، وهذا الشرط محل خلاف بين أهل العلم على قولين أذكرهما على سبيل الإجمال:
القول الأول: الإسلام ليس شرطًا في الإحصان، فإذا وطئ الذمي البالغ العاقل امرأته في نكاح صحيح، ثم زنى، فإنه يُقام عليه حد الرجم.
وهو قول الشافعية (4)، والحنابلة (5).
القول الثاني: الإسلام شرط للإحصان، فلا يقام حد الرجم على الذمي لو زنى، لعدم إحصانه. وهو قول الحنفية (6)، والمالكية (7).
وسيأتي بيان المسألة بأدلتها مفصلة في مسألة مستقلة (8).
السابع: أن تتوفر في كليهما شروط الإحصان، فلو وطئ العاقل امرأته الصغيرة في نكاح صحيح لم يكن محصنًا، وقد اختلف أهل العلم في هذا
(1) انظر: المغني (9/ 42)، الشرح الكبير (10/ 160)، المبدع (9/ 62).
(2)
وسيأتي بيان هذه المسألة مفصلة برقم 117 وعنوان: "يشترط للإحصان النكاح، وأن يكون النكاح صحيحًا، وأن يطأ في النكاح الصحيح".
(3)
وسيأتي بيان هذه المسألة بالتفصيل برقم 118 وعنوان: "يشترط للإحصان حصول الوطء في القُبُل".
(4)
انظر: أسنى المطالب (4/ 128)، نهاية المحتاج (7/ 427)، الغرر البهية (5/ 85).
(5)
انظر: المغني (9/ 43)، الإنصاف (10/ 172)، دقائق أولي النهى (3/ 344).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 37 - 38)، تبيين الحقائق (3/ 173)، العناية شرح الهداية (5/ 236).
(7)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 331)، شرح مختصر خليل (8/ 82)، حاشية الدسوقي (4/ 313).
(8)
انظر: المسألة رقم 119 بعنوان: "يشترط للإحصان الإسلام".
الشرط على قولين:
القول الأول: لا يشترط توفر شروط الإحصان في الزوجين.
وهو قول المالكية (1)، والشافعية في الصحيح (2)، ووجه عند الحنابلة (3).
وعللوا ذلك بأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح، فلم يؤثر نقص الموطوءة (4).
القول الثاني: يشترط توفر شروط الإحصان في الزوجين.
وهو قول الحنفية (5)، والحنابلة (6).
وعللوا ذلك بأنه وطء لم يُحصن أحد الزوجين فلا يُحصن الآخر، قياسًا على التسري (7).
ولأن من شرط الإحصان الوطء، والوطء هنا غير كامل، لعدم توفر الشرط في الزوج الآخر (8).
وبناء على ما سبق من الشرط السابع والثامن فإن من تزوج بامرأة كتابية ووطئها في نكاح صحيح وهما حران عاقلان بالغان، فإحصانهما على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يكون الزوجان محصنين، الرجل المسلم والمرأة الكتابية،
(1) انظر: المدونة (4/ 504)، حاشية الدسوقي (4/ 313)، حاشية العدوي (2/ 322).
(2)
انظر: نهاية المحتاج (7/ 427)، تحفة المحتاج (9/ 109)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 182).
(3)
انظر: المغني (9/ 42)، الإنصاف (10/ 171).
(4)
انظر: نهاية المحتاج (7/ 427)، تحفة المحتاج (9/ 109).
(5)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 37 - 38)، تبيين الحقائق (3/ 173)، العناية شرح الهداية (5/ 236).
(6)
انظر: المغني (9/ 42)، كشاف القناع (6/ 90)، الإنصاف (10/ 171).
(7)
انظر: كشاف القناع (6/ 90).
(8)
انظر: المغني (9/ 42).
وهو قول الشافعية والحنابلة، لأنهم لا يشترطون الإسلام في الإحصان.
القول الثاني: يكون الزوج محصنًا، والمرأة غير محصنة، وهو قول المالكية، لأنهم يشترطون الإسلام في الإحصان، والمرأة كتابية فلا تكون محصنة، ولا يشترطون توفر شروط الإحصان في الطرفين فعلى ذلك يكون الرجل محصنًا.
القول الثالث: لا يكون أحد من الزوجين محصنًا، لأن من شرط الإحصان الإسلام، والمرأة كتابية غير مسلمة، ومن شرطه أيضًا توفر الشروط في كلا الزوجين، والمرأة هنا لم تتوفر فيها جميع الشروط، فلا يكون الزوج محصنًا.