الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[47/ 1] إقرار المُكْرَه لا يجب به حد
.
• المراد بالمسألة: إذا أُكره شخصٌ على أن يعترف على نفسه بأنه ارتكب ما يوجب الحد، فإن إقراره غير معتبر، ولا يُقام عليه الحد بموجب مجرد الإقرار.
والمراد هنا تقرير الإجماع على أن الإكراه من موانع قبول الإقرار، أما ضابط هذا الإكراه فمسألة أخرى غير مرادة.
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم من أهل العلم خلافًا في أن إقرار المكره لا يجب به حد"(1) ونقله عنه ابن قاسم (2). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(3).
وقال الزركشي (772): "لا يصح إقرار المكره، ولا نزاع في ذلك"(4).
وقال الشنقيطي (1393 هـ)(5): "لا يصح إقرار المكره، فلو أكره الرجل بالضرب أو غيره من أنواع التعذيب ليقر بالزنا فأقر به مكرهًا، لم يلزمه إقراره به، فلا يحد، ولا يثبت عليه الزنا، ولا نعلم من أهل العلم من خالف في هذا"(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (7)، والظاهرية (8).
(1) المغني (9/ 63).
(2)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 323).
(3)
الشرح الكبير (10/ 194).
(4)
شرح الزركشي (3/ 109).
(5)
هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، عالم، برع في الفقه، والتفسير، والحديث، والشعر، والأدب، والنسب، من علماء شنقيط، من موريتانيا، تعلم بها، ثم انتقل للتدريس في الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، من كتبه:"أضواء البيان في تفسير القرآن"، و"منع جواز المجاز"، وغيرها، ولد سنة (1325 هـ)، وتوفي بمكة سنة (1393 هـ). انظر: الأعلام 6/ 45، اللآلئ الحسان بذكر محاسن الدعاة والأعلام لمهنا نجم 117، مشاهير أعلام المسلمين لعلي الشحوذ 147.
(6)
أضواء البيان (5/ 390).
(7)
انظر: أسنى المطالب (2/ 290)، تحفة المحتاج (5/ 359).
(8)
انظر: المحلى (7/ 100)، (12/ 39).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} (1).
• وجه الدلالة: أن من تكلم بالكفر مكرهًا فلا يؤاخذ بما قال، ولا يُحد حد الردة، وحُكي الإجماع على ذلك، فمن باب أولى عدم المؤاخذة بالإكراه فيما دون ذلك من الحدود (2).
(1) سورة النحل، آية (106)، وهذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه حين أكره على كلمة الكفر، فقالها مكرهًا، مريدًا الخلاص من أيدي المشركين، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، قال عليه الصلاة والسلام:(كيف تجد قلبك)، قال: مطمئن بالإيمان، قال صلى الله عليه وسلم:(فإن عادوا فعد)، قال ابن حجر في "فتح الباري" (12/ 312):"والمشهور أن الآية المذكورة نزلت في عمار بن ياسر، وهو مرسل ورجاله ثقات، أخرجه الطبري وقبله عبد الرزاق، وأخرجه البيهقي، وهو مرسل أيضا وأخرج الطبري نحوه مطولا وفي سنده ضعف، وأخرجه الفاكهي من مرسل زيد بن أسلم وفي سنده ضعف أيضا، وأخرج عبد بن حميد من طريق بن سيرين ورجاله ثقات مع إرساله أيضا، وهذه المراسيل تقوي بعضها ببعض" اهـ باختصار.
(2)
انظر: أسنى المطالب (2/ 290)، وقد حكى الإجماع على عدم من تكلم بالكفر مكرهًا جمع من أهل العلم منهم ابن المنذر حيث قال:"أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان، أنه لا يحكم عليه بالكفر، ولا تبين منه زوجته، إلا محمد بن الحسن فقال: إذا أظهر الكفر صار مرتدًا، وبانت منه امرأته، ولو كان في الباطن مسلما" نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري"(12/ 413)، وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (8/ 291):"أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر حتى خشى على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر"، وقال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (109):"اتفقوا على أن المكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يلزمه شيء من الكفر عند اللَّه تعالى"، وقال ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/ 160):"أما الكفر باللَّه فذلك جائز له -أي للمكرَه - بغير خلاف على شرط أن يلفظ بلسانه، وقلبه منشرح بالإيمان"، وقال القرطبي في "تفسير القرطبي" (10/ 182):"أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر" وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" =
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)(1).
• وجه الدلالة: في الحديث دليل على عدم مؤاخذة العبد بما يتكلم به بموجب الإكراه (2).
الدليل الثالث: أن الإقرار مع الإكراه فيه شبهة تدرأ بها الحدود (3).
الدليل الرابع: أن إقرار المكرَه قول أكره عليه بغير حق، فلم يصح منه، كالبيع (4).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من أقر بالسرقة مكرهًا فإنه يقام عليه الحد بموجب إقراره. وهو قول بعض متأخري الحنفية (5).
وذهب بعض الفقهاء إلى أن السارق إن أقر مُكرهًا، وكان ثمة قرينة على أنه هو السارق، من تهمة معيَّنة، فإنه يقام عليه الحد، ويُقبل إقراره. وهو مذهب المالكية (6).
= (3/ 212)"لا يكفر من تكلم بالكفر مكرهًا بالنص والإجماع"، وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/ 141):"لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض، إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان".
(1)
أخرجه ابن ماجه رقم (2045).
(2)
انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل (4/ 568)، المبدع (10/ 297).
(3)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 344).
(4)
انظر: المبدع (10/ 297).
(5)
انظر: المبسوط (9/ 185)، رد المحتار (5/ 627)، غمز عيون البصائر للحموي (3/ 43).
(6)
انظر: التاج والإكليل (8/ 425)، شرح مختصر خليل (2/ 108)، بلغة السالك (4/ 486). وذهب بعض الفقهاء منهم ابن حزم في "المحلى"(12/ 39) وابن القيم في "الطرق الحكمية"(6) إلى أن من أقرَّ بالسرقة مع الإكراه، وكان ثمة قرينة تدل على ارتكابه للسرقة، كأن يكون المال عنده، أو يصف السرقة والمال المسروق وصفًا دقيقًا، فإنه يقام عليه الحد، لكن ليس بموجب الإقرار المجرد، وإنما بموجب القرينة التي دلت على كونه سرق، ولم أجعل هذا القول من ضمن المخالفين؛ لأنهم لا يرون إيجاب الحد بموجب الإقرار، وإنما هو بموجب القرينة.