الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما من فَّرق بين من ثبت زناه ببينة وبين من ثبت زناه بإقرار: فعلل لذلك بأن من ثبت زناه بإقرار فله الرجوع عن إقراره، والهرب أثناء رجمه، ويجوز تركه حينئذ، لذا ينبغي ألا يُربط ولا يُحفر له، بخلاف من ثبت زناه ببينة فإنه لو أنكر الزنا لم ينفعه ذلك ويجب إقامة الحد عليه حتى لو حاول الهروب (1).
النتيجة:
المسائل السابقة فيما يظهر ليست محل إجماع محقّق بين أهل العلم؛ وذلك لثبوت الخلاف في الحفر، عن بعض المالكية، وبعض الشافعية، وغيرهم. وثبوت الخلاف في القيام عن ابن حزم.
وأما عدم التوثيق فحكى بعض المالكية أن الأفضل عدم ربطه إذا حفر له، وهو يدل على أن ذلك ليس هو المقدّم عند المالكية في كل حال، واللَّه تعالى أعلم.
[136/ 2] ما فعله الحربي في دار الحرب من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه
.
[137/ 2] ما فعله الذمي في دار الكفر من زنى فإنه لا يؤاخذ به بعد إسلامه
.
• المراد بالمسألتين: أولا: تعريف الحربي: الحرب في اللغة نقيض السلم (2).
والحربي في اصطلاح الفقهاء هو يشمل الكافر الذي ليس بيننا وبينه عهد وأمان، أو الكافر الذي بيننا وبين بلاده حرب.
وكل من حارب المسلمين من الكفار، بأي نوع من أنواع القتال فهو حربي (3).
ثانيًا: تعريف الذمي: الذمة في اللغة: بمعنى العهد والأمان والكفالة.
والمراد بالذمي: هو من كان بيننا وبينه عهد على أن يقيم في بلادنا معصوم الدم والمال (4).
(1) انظر: مغني المحتاج (5/ 457).
(2)
انظر: شرح حدود (508)، لسان العرب، مادة:(حرب)، (1/ 302)، معجم لغة الفقهاء (177).
(3)
انظر: السياسة الشرعية (112)، شرح مختصر خليل (7/ 81)، القاموس الفقهي (84).
(4)
انظر: السياسة الشرعية (112)، المعجم الوسيط (1/ 315)، القاموس الفقهي (138)، وقد ذكر الفقهاء أن الناس على أقسام خمسة:
ثالثًا: صورة المسألتين: إذا ثبت حد الزنا على شخص، وكان قد فعل زِناه في دار الحرب أثناء كونه كافرًا حربيًا، ثم تاب وأسلم، أو صار من أهل الذمة، فإنه لا يؤخذ بما فعل حال حربيَّته أو كفره من زنا.
وكذا الذمي إذا زنى في دار الكفر، ثم أسلم فإنه لا يؤاخذ بزناه، ولا يُحد عليه بعد إسلامه.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم من قتل، أو زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، وصح الإجماع بذلك"(1).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر، من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين قبل أن يقدروا عليهم، وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين فلا يحل قتلهم بإجماع
= الأول: المسلم. الثاني: الذمي: وهو الكافر الذي بيننا وبينه ذمة -أي: عهد - على أن يقيم في بلادنا معصومًا لا يحاربنها ولا يحاربه. الثالث المعاهد: وهو الكافر من بيننا وبينه عهد على أن يقيم في بلاده لا يحاربنا ولا نحاربه. الرابع: المستأمن: وهو الكافر الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد، لكن المسلمين جعلوا له أمانًا في وقت محدد، كرجل حربي دخل إلى دار الإسلام بأمان للتجارة. الخامس: الحربي، هو الكافر الذي هو الذي ليس بيننا وبينه عهد ولا ذمة.
فالأقسام الأربعة من المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن معصوموا الدم، بخلاف الحربي فهو غير معصوم. انظر: شرح السير الكبير للشيباني (1/ 306)، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (7/ 297).
(1)
المحلى (12/ 31)، وقال أيضًا في مراتب الإجماع (132):"واتفقوا أن الحربي لا يقام عليه بعد ذمته أو إسلامه حد زنا كان منه قبل ذلك".
المسلمين، ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال أو دم، فدل ذلك على أن الآية تنزل في أهل الشرك والكفر" (1). وقال ابن القطان (628 هـ):"واتفقوا أن الذمي لا يقام عليه بعد ذمته أو إسلامه حد زنا كان منه قبل ذلك"(2).
وقال القرطبي (671 هـ): "أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب"(3). وقال محمد ابن مفلح (763 هـ)(4): "أما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعًا"(5) وبمثله قال: إبراهيم ابن مفلح (884 هـ)(6) والمرداوي (885 هـ)(7) والحجاوي (968 هـ)(8)(9).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (10)، والشافعية (11).
(1) الاستذكار (7/ 551).
(2)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 253).
(3)
تفسير القرطبي (7/ 401)، وانظر:(6/ 158).
(4)
هو أبو عبد اللَّه، محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج القاقوني، الفقيه الحنبلي، شمس الدين، اشتغل في الفقه وبرع فيه، وصاهر القاضي جمال الدين المرداوي، وناب عنه في الحكم، قال ابن كثير:"كان بارعًا فاضلًا متقنًا في علوم كثيرة ولا سيما في الفروع"، من كتبه: الفروع حيث أورد فيه من الفروع الغريبة ما بهر العلماء، وله على كتاب المقنع شرح في نحو ثلاثين مجلدًا، وعلق على المنتقى للمجد ابن تيمية، ولد سنة (712 هـ)، ومات في صالحية دمشق سنة (763 هـ). انظر: الضوء اللامع 1/ 152، شذرات الذهب 7/ 338، معجم المؤلفين 1/ 100.
(5)
الفروع (6/ 143).
(6)
المبدع (9/ 152).
(7)
الإنصاف (10/ 299).
(8)
هو أبو النجا، موسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوي، المقدسي، ثم الصالحي، الحنبلي، شرف الدين، برع في الفقه، والأصول، والحديث، وكان مفتي الحنابلة وشيخ الإسلام في دمشق، من تصانيفه:"الإقناع"، وزاد المستقنع في اختصار المقنع، ولد سنة (895 هـ)، وتوفي سنة (968 هـ). انظر: شذرات الذهب 8/ 327، الأعلام 7/ 320، معجم المؤلفين 13/ 34.
(9)
الإقناع مع شرحه كشاف القناع عن متن الإقناع (6/ 153).
(10)
انظر: المسبوط (9/ 98)، تبيين الحقائق (3/ 182)، الفتاوى الهندية (2/ 149).
(11)
انظر: الأم (6/ 37)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 181)، مغني المحتاج (7/ 427).