الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن المقصود من الحد دفع المعرَّة التي لحقت المقذوف بالقذف، وبيان كذب القاذف، ومن كان غير مطيق للوطء لا يحتاج إلى ذلك، للعلم بكذب القاذف بكونه لا يطيق الوطء (1).
وأما من أوجب الحد مطلقًا على من قذف الصغير أو المجنون فاستدل بـ: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (2).
• وجه الدلالة: عموم الآية تدل على وجوب الحد على من قذف المحصنة، والإحصان في اللغة هو بمعنى المنع، فكل من منعت نفسها من الحرام فتشملها هذه الآية (3).
النتيجة:
ثمة مسألتان: الأولى: يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف بالغًا: فهذه المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، لثبوت الخلاف عن المالكية، والظاهرية، والحنابلة في رواية. وفي نقل الإجماع في المسألة تساهل خصوصًا من ابن رشد رحمه الله.
الثانية: يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف عاقلًا: فهذه المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية، ومن نقل الإجماع لم يعتبر قولهم في المسألة، واللَّه تعالى أعلم.
[184/ 3] يشترط لإقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف مسلمًا
.
• المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان المقذوف كافرًا، سواء كان ذميًا، أو حربيًا، أو غير ذلك، فإن هذا القذف غير موجب للحد.
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "إجماعهم أنه ليس على من
(1) انظر: المغني (9/ 67)، كشاف القناع (6/ 106).
(2)
سورة النور، آية (4).
(3)
انظر: المحلى (12/ 234).
قذف ذمية أو مملوكة حد" (1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف وهي: البلوغ، والحرية، والعفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف، لم يجب الحد" (2) ونقله عنه ابن قاسم (3).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "وشرائط الإحصان الذي يجب الحد بقذف صاحبه، خمسة: العقل، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا، وأن يكون كبيرًا يجامع مثله، وبه يقول جماعة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود، أنه أوجب الحد على قاذف العبد"(4).
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "والمحصن من وجدت فيه خمس شرائط: أن يكون حرًا، مسلمًا، عاقلًا، بالغًا، عفيفًا، وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد"(5).
وقال ابن القطان (628 هـ): "ولم يختلفوا أن من قذف مملوكة أو كافرة أنه لا يُحد للقذف"(6). وقال ابن الهمام (861 هـ): " (قوله: ومن قذف عبدًا أو أمة أو أم ولد أو كافرًا بالزنا عزر) بالإجماع"(7).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والمحصن هو الحر، المسلم، العاقل، العفيف، الذي يجامع مثله. . . فهذه الخمسة شروط الإحصان وبه يقول جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد"(8).
(1) الاستذكار (6/ 106).
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 362).
(3)
حاشية الروض المربع (7/ 333).
(4)
المغني (9/ 76).
(5)
العدة شرح العمدة (599).
(6)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 248).
(7)
فتح القدير (5/ 346).
(8)
الشرح الكبير على متن المقنع (10/ 211).
وقال العيني (855 هـ): " (أن يكون المقذوف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفًا عن فعل الزنا) هذا باتفاق العلماء"(1).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (2)، والظاهرية (3).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} (4).
الدليل الثاني: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (5).
الدليل الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "من أشرك باللَّه فليس بمحصن"(6).
• وجه الدلالة من الآية والأثر: أن الآية شرطت في حد القذف أن يكون المقذوف محصنًا، وقد بيَّن الأثر أن الكافر ليس بمحصن، وعلى ذلك فلا يكون قذفه داخلًا في الآية الموجبة للحد (7).
الدليل الرابع: أن الكافر لا حرمة له، فكما لا تؤخذ نفس المسلم بنفس الكافر، فكذا لا يؤخذ عرضه بعرضه (8).
(1) البناية شرح الهداية (6/ 364).
(2)
انظر: مغني المحتاج (5/ 58)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 185).
(3)
انظر: المحلى (12/ 224).
(4)
سورة النور، آية (23).
(5)
سورة النور، آية (4).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 548)، والدارقطني في "السنن"(3/ 174)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 446)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6/ 324).
ورُوي هذا الأثر مرفوعًا، لكن صوب جمع من أهل العلم وقفه منهم الدارقطني (3/ 147)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 216).
(7)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 40).
(8)
انظر: الحاوي في فقه الشافعي (13/ 256).