الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث: أنه إيلاج للحشفة في فرج محرَّم، فأشبه إتيان بني آدم (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[153/ 2] قبول توبة الزاني، واللوطي
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص جريمة الزنا أو اللواط، ثم تاب من ذلك الفعل، فإن توبته تُقبل فيما بينه وبين اللَّه تعالى.
ويتبين مما سبق أن المراد سقوط إثم الزنا فيما بينه وبين اللَّه تعالى، أما سقوط الحد، أو سقوط حق المزني بها، أو الملوط به، فمسألة أخرى.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن التوبة من الكفر مقبولة ما لم يوقن الإنسان بالموت بالمعاينة، ومن الزنا، ومن فعل قوم لوط، ومن شرب الخمر"(2). وقال ابن عطية (542 هـ): "لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني"(3).
وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء (4) عامل في الكافر والزاني"(5).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (6)،
= عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (ليس على الذي يأتي البهيمة حد).
وممن ضعف الحديث أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن"(3/ 388)، وابن حزم (12/ 399)، بل قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (2/ 318):"هذا الحديث متروك بالإجماع".
(1)
انظر: تفسير القرطبي (7/ 245)، الأحكام السلطانية (279).
(2)
مراتب الإجماع (176).
(3)
المحرر الوجيز (4/ 268).
(4)
مراد ابن عطية والقرطبي بالاستثناء قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} [الفرقان: 70].
(5)
تفسير القرطبي (13/ 77).
(6)
انظر: فتح القدير (7/ 368)، البحر الرائق (5/ 3).
الشافعية (1)، والحنابلة (2).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} (3).
• وجه الدلالة: الآية صريحة في قبول توبة الزاني، وأنه مستثنى من العذاب المستحق لمن ارتكب الزنا.
الدليل الثاني: عموم النصوص الدالة على مغفرة اللَّه تعالى لجميع الذنوب ومن ذلك:
أ - قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} (4).
الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)(6).
• وجه الدلالة: فيه دلالة على أن التائب من الذنب مساوٍ لمن لا ذنب له،
(1) انظر: روضة الطالبين (4/ 174)، أسنى المطالب (4/ 131).
(2)
انظر: المغني (9/ 71)، الفروع (6/ 60).
(3)
سورة الفرقان، آية (68 - 70).
(4)
سورة الزمر، آية (53).
(5)
سورة آل عمران، آية (135 - 136).
(6)
أخرجه ابن ماجه رقم (4250).
ويدخل في ذلك من تاب من الزنا أو اللواط.
الدليل الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم لماعز حين أقيم عليه الحد وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه)(1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الصحابة رضي الله عنهم إلى أن الأفضل حين هرب ماعز رضي الله عنه أن يتركوه لتوبته، ولا يقيموا عليه الحد، وهو دليل على قبول التوبة منه (2).
الدليل الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل أكره امرأة على الزنا، ثم جاء تائبًا، فلم يرجمه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له:(اذهب فقد غفر اللَّه لك)(3).
الدليل السادس: عموم الأدلة الدالة على إباحة ستر الإنسان على نفسه ما ارتكبه مما يوجب الحد (4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
وهنا يُنبَّه إلى أن ما يُطلقه بعض الفقهاء من عدم قبول توبة الزاني أو المحارب وغيره من أهل الحدود لا يريدون بذلك عدم غفران الذنب عنهم، وإنما يريدون عدم رفع العقوبة في الدنيا، كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "وأما الذنوب التي يطلق الفقهاء فيها نفي قبول التوبة، مثل قول
(1) أخرجه أحمد (24/ 322)، والترمذي رقم (1428)، وأبو داود رقم (4419)، وابن ماجه رقم (2554).
(2)
انظر: أعلام الموقعين (2/ 60).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (1454)، وأبو داود رقم (4379).
(4)
وقد سبق بيان المسألة بأدلتها في المسألة رقم 19 بعنوان: "يباح للإنسان أن يستر على نفسه الحد".
أكثرهم: لا تقبل توبة الزنديق -وهو المنافق-، وقولهم: إذا تاب المحارب قبل القدرة عليه تسقط عنه حدود اللَّه، وكذلك قول كثير منهم أو أكثرهم في سائر الجرائم، كما هو أحد قولي الشافعي وأصح الروايتين عن أحمد، وقولهم في هؤلاء إذا تابوا بعد الرفع إلى الإمام لم تقبل توبتهم، فهذا إنما يريدون به رفع العقوبة المشروعة عنهم، أي لا تقبل توبتهم بحيث يخلى بلا عقوبة، بل يعاقب، إما لأن توبته غير معلومة الصحة، بل يظن به الكذب فيها، وإما لأن رفع العقوبة بذلك يفضي إلى انتهاك المحارم وسد باب العقوبة على الجرائم، ولا يريدون بذلك أن من تاب من هؤلاء توبة صحيحة، فإن اللَّه لا يقبل توبته في الباطن، إذ ليس هذا قول أحد من أئمة الفقهاء، بل هذه التوبة لا تمنع إلا إذا عاين أمر الآخرة" (1).
(1) الفتاوى الكبرى (1/ 114).