الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأمة لذكره وبيَّنه (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض السلف، والظاهرية، وقول للشافعية مقابل الأصح عندهم، ولعل من حكى الإجماع لم يعتبر الخلاف في المسألة.
إلا أنه يمكن مما سبق تحصيل مسألة هي محل إجماع بين أهل العلم وحاصلها: الأمة إن تزوجت بعبد مثلها، ثم زنت وهي أمة، ولم تُعتق، فعدم الرجم عليها محل إجماع بين أهل العلم؛ فإنه لم يخالف فيه إلا أبا ثور، وشرط في خلافه ألا يكون ثمة إجماع في المسألة، وقد تحقق الإجماع، فيكون قول أبي ثور منفي، واللَّه تعالى أعلم.
[117/ 2] يشترط للإحصان النكاح، وأن يكون النكاح صحيحًا، وأن يطأ في النكاح الصحيح
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان ذلك الشخص مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًا، إلا أنه لم يتزوج، فإنه لا يُعتبر محصنًا، فإن زنى فإنه لا يُقام عليه حد الرجم، لأن من شرط الإحصان أن يكون الزاني قد تزوج.
كما يُشترط أيضًا أن يكون النكاح صحيحًا، أما إن كان النكاح فاسدًا فلا يُعتبر صاحبه محصنًا.
كما يُشترط أيضًا أن يطأ في النكاح الصحيح، فإن كان الزاني قد تزوج في نكاح صحيح، لكنه لم يطأ زوجته بتغييب حشفته في فرجها فإنه فلا يُعتبر محصنًا، ولا يُقام عليه حد المحصن بالرجم حتى يموت (2).
(1) انظر: المحلى (12/ 181).
(2)
إنما فصلت هذه المسائل ولم أجعلها ضمن مسألة واحدة مُتَّبعا ما درج عليه الفقهاء في كتبهم حيث ذكروا تفصيل كل مسألة بشرط مستقل. انظر: المغني (9/ 41)، الشرح الكبير (10/ 158 - 159)، المبدع (9/ 62).
ويتبيَّن مما سبق أمور:
الأول: يستثنى من شرط النكاح، من وطئ في ملك يمين، أو وطء شبهة، فجميع ذلك لا يُعتبر محصنًا.
الثاني: يستثنى من شرط النكاح الصحيح، من طئ في نكاح فاسد، كنكاح المتعة، أو نكاح المحارم، أو غير ذلك، فجميع ذلك لا يُعتبر صاحبه محصنًا.
الثالث: يستثنى من شرط الوطء في النكاح الصحيح، من تزوج بنكاح صحيح لكنه لم يطأ زوجته، فذلك لا يُعتبر محصنًا.
الرابع: المراد في المسألة الوطء الصحيح، أما الوطء الفاسد كمن وطئ امرأته وهي حائض أو كان هو مُحرِمًا، أو غير ذلك، فحصول الإحصان بالوطء الفاسد محل خلاف غير مراد في المسألة (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد، ولا بالشبهة"، نقله عنه ابن حجر (2).
وقال أيضًا: "أجمعوا على أن المرء لا يكون بعقد النكاح محصنًا حتى يكون معه الوطء"(3) ونقله عنه ابن حجر (4). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قالوا جميعًا الوطء الفاسد لا يقع به إحصان"(5).
وقال ابن حزم (456 هـ): "ما نعلم الإحصان في اللغة العربية والشريعة يقع إلا على معنيين: على الزواج الذي يكون فيه الوطء، فهذا إجماع لا خلاف فيه. . . "(6).
(1) انظر: شرح حدود ابن عرفة (496)، الذخيرة (12/ 69)، المبدع (9/ 63).
(2)
فتح الباري (12/ 117).
(3)
الإجماع (112)، وقال أيضًا (75):"وأجمعوا على أن الرجل وإن عَقَد النكاح فلا يكون محصنًا حتى يدخل بها ويصيبها".
(4)
فتح الباري (12/ 117).
(5)
الاستذكار (7/ 485).
(6)
المحلى (12/ 179 - 180).
وقال الكاساني (587 هـ): "أما إحصان الرجم فهو عبارة في الشرع عن اجتماع صفات اعتبرها الشرع لوجوب الرجم، وهي سبعة: العقل، والبلوغ، والحرية، والإسلام، والنكاح الصحيح، وكون الزوجين جميعًا على هذه الصفات. . . ولا خلاف في هذه الجملة إلا في الإسلام"(1). وقال ابن قدامة (628 هـ): "ولا خلاف في أن عقد النكاح الخالي عن الوطء، لا يحصل به إحصان"(2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ) (3). وقال ابن قدامة أيضًا في بيان شروط الإحصان:"أن يكون في نكاح. . . ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنا، ووطء الشبهة، لا يصير به الواطئ محصنًا، ولا نعلم خلافًا في أن التسري لا يحصل به الإحصان"(4)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (628 هـ)(5).
وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمع أهل العلم على أن المرء لا يكون بعد محصنًا حتى يكون معه الوطء"(6). وقال الزركشي (773 هـ) في بيان شروط الإحصان: "أن يكون بنكاح، فلا إحصان لواطئ بشبهة، أو ملك يمين، ونحو ذلك، إجماعًا"(7). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "فلا إحصان بمجرد العقد إجماعًا"(8). وقال أيضًا في شرطية النكاح الصحيح للإحصان:
(1) بدائع الصنائع (7/ 37 - 38).
(2)
المغني (9/ 41).
(3)
الشرح الكبير (10/ 158 - 159).
(4)
المغني (9/ 41)، وقال أيضًا في "الكافي في فقه ابن حنبل" (4/ 209) ضمن شروط الإحصان:"كون الوطء في نكاح، فلو وطئ بشبهة، أو زنى، أو تسرية: لم يصر محصنًا؛ للإجماع".
(5)
الشرح الكبير (10/ 159).
(6)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 255).
(7)
شرح الزركشي على الخرقي (2/ 418)، وقال أيضًا (2/ 418):"ما يحصل به الاحصان الذي يجب به الرجم بالزنا: وهو الإصابة، كأن يطأ الرجل المرأة في القبل، أو توطأ المرأة كذلك. . . ويشترط في هذه الإصابة شروط: أحدها: أن تغيب الحشفة أو قدرها؛ إذ الأحكام إنما تترتب على ذلك، ولا تكفي الخلوة بلا خلاف".
(8)
البحر الزخار (6/ 150).
"فلا إحصان بباطل إجماعًا"(1). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ) في شروط الإحصان: "أن تكون في نكاح. . . ولا خلاف أن وطء الزنا والشبهة لا يصير به الواطئ محصنًا، وأن التسري لا يحصل به الإحصان"(2).
وقال المطيعي (1404 هـ): "ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنا، ووطئ الشبهة، لا يصير به أحدهما محصنًا، ولا نعلم بينهم خلافًا في أن التسرى لا يحصل به الاحصان لواحد منهما"(3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع أن المعتبر في الإحصان هو الوطء على حال الكمال وتمام النعمة، وذلك إنما يكون بالوطء في نكاح صحيح (4).
• المخالفون: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من وطء في نكاح فاسد فإنه يكون محصنًا. وهو قول أبي ثور، والليث، والأوزاعي (5).
• دليل المخالف: أن النكاح الفاسد أُعطي أحكام النكاح الصحيح في كثير من المسائل كوجوب المهر، والعدة، ولحوق الولد، وتحريم الربيبة، وغير ذلك، فكذا يُعطى حكمه في الإحصان (6).
النتيجة:
يتبين مما سبق أن ثمة ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: يشترط للإحصان النكاح: فهذه فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف.
المسألة الثانية: يشترط للإحصان أن يكون النكاح صحيحًا: فهذه فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف أبي ثور، والليث بن سعد، والأوزاعي، ولذا قال إبراهيم ابن مفلح ضمن شروط الإحصان ومنها
(1) البحر الزخار (6/ 150).
(2)
المبدع (9/ 62).
(3)
المجموع (20/ 14).
(4)
انظر: الذخيرة (12/ 69).
(5)
انظر: المغني (9/ 41)، فتح الباري (12/ 117).
(6)
انظر: المغني (9/ 41)، الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (2/ 481)، فتح الباري (12/ 117).