الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[106/ 2] الجلد مجمع عليه كعقوبة للزنا
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، فإن من المقرر في الشريعة أن الجلد من العقوبات التي شرعها اللَّه تعالى لحد الزنا.
والمراد بهذه المسألة تقرير كون الجلد مما يجب به حد الزنا، أما تفصيل متى يجب الجلد، ومتى لا يجب فمسألة أخرى يأتي بيانها إن شاء اللَّه تعالى (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن به الجلد"(2). وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (3)، في زنا الأبكار خاصة"(4).
وقال ابن حزم (456 هـ): "الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فإن حدهما مائة جلدة"(5).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "الزاني إذا لم يحصن حده الجلد دون الرجم، وهذا ما لا خلاف بين أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال اللَّه عز وجل:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (6)، وأجمعوا أن الأبكار داخلون في هذا الخطاب (7).
وقال السرخسي (483 هـ): "فأما الجلد فهو متفق عليه بين العلماء"(8). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أجمعوا على أن حد البكر في الزنا جلد مائة"(9).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم
(1) انظر المسألة رقم 109 بعنوان: "حد الزاني البكر الجلد مائة جلدة".
(2)
الإجماع (112)
(3)
سورة النور، آية (2).
(4)
شرح صحيح البخارى (8/ 467).
(5)
المحلى (12/ 169)، وقال أيضًا (12/ 171):"لم يختلف أحد من أهل القبلة في أن الجلد حكم الزاني الحر غير المحصن، والزانية الحرة غير المحصنة"، وانظر: مراتب الإجماع (129).
(6)
سورة النور، آية (2).
(7)
الاستذكار (7/ 477).
(8)
المبسوط (9/ 36).
(9)
بداية المجتهد (2/ 367).
يكن محصنًا" (1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (2). وقال ابن القطان (628 هـ): "الزاني إذا لم يحصن حده الجلد دون الرجم، ولا خلاف بين الأمة فيه؛ قال اللَّه عز وجل:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (3)، وأجمعوا أن الأبكار داخلون في هذا الخطاب" (4).
وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة"(5). وقال الزركشي (773 هـ): "وإذا زنى الحر بالبكر جلد مائة جلدة، وغرب عامًا. . . وقد حصل اتفاق العلماء -وللَّه الحمد- على الجلد، بشهادة الكتاب والسنة بذلك"(6).
وقال ابن حجر (852 هـ): "الجلد ثابت بكتاب اللَّه، وقام الإجماع ممن يعتد به على اختصاصه بالبكر، وهو غير المحصن"(7). وقال العيني (855 هـ): "أجمعوا على أن الزاني الذي ليس بمحصن حده جلد مائة"(8).
وقال الرحيباني (1243 هـ)(9): "إن زنى غير محصن حر جلد مائة بلا خلاف"(10). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "لا خلاف في وجوب الجلد على الزاني، إذا لم يكن محصنًا"(11).
(1) المغني (9/ 45).
(2)
الشرح الكبير (10/ 165).
(3)
سورة النور، آية (2).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 252).
(5)
شرح النووي (11/ 189).
(6)
شرح الزركشي على الخرقي (3/ 102).
(7)
فتح الباري (12/ 157).
(8)
عمدة القاري (24/ 41).
(9)
هو مصطفى بن سعد بن عبده، السيوطي شهرة، الرحيباني - مولدًا -، ثم الدمشقي، فقيه، فرضي، كان مفتي الحنابلة بدمشق، ولي فتوى الحنابلة سنة 1212 هـ، وتوفى بدمشق، من تصانيفه:"مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى"، و"تحفة العباد فيما في اليوم والليلة من الأوراد"، و"تحريرات وفتاوى"، ولد سنة (1160 هـ)، وتوفي بدمشق سنة (1243 هـ). انظر: الأعلام 7/ 234، معجم المؤلفين 12/ 254.
(10)
مطالب أولي النهى (6/ 179).
(11)
حاشية الروض المربع (7/ 315).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (1).
الدليل الثاني: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)(2).
الدليل الثالث: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (3).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (4).
(1) سورة النور، آية (2).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1690).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(4)
أخرجه البخاري رقم (6444).
الدليل الخامس: عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي رضي الله عنه فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(أحسنت، اتركها حتى تماثل)(1).
الدليل السادس: أنه مروي عن جملة من الصحابة رضي الله عنهم فعن ابن عمر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب"(2).
(1) أخرجه مسلم رقم (1705).
(2)
أخرجه الترمذي، كتاب: الحدود، باب: النفي رقم (1438)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في نفي البكر، رقم (16754).
قال الحاكم في "المستدرك"(4/ 369): "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/ 444):"وعندي أنه صحيح"، وقال الشوكاني "فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار" (3/ 1639):"رجاله ثقات".
وذهب آخرون إلى أن الصواب في الحديث هو وقفه على أبي بكر وعمر دون ذِكر النبي صلى الله عليه وسلم منهم الدارقطي في "علل الدارقطني"(12/ 321) حث قال: "عن ابن عمر أن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب"، وكذا البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 331) حيث قال:"هو عن أبي بكر وعمر صحيح، وعن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه صحيح".
وأخرج البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6/ 468) عن عمر رضي الله عنه أنه جلد امرأة في الزنا وغربها عامًا، وصححه ابن حزم في المحلى (12/ 171).
فالحاصل أن الحديث ثابت من فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وإنما وقع الخلاف في رفعه ووقفه، وعلى فرض وقفه فقد ثبت الجلد عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى، واللَّه تعالى أعلم.