الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1).
• وجه الدلالة: عموم الآية حيث أوجبت الحد ثمانون جلدة، ولم تفرِّق بين الحر والعبد (2).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ ولا بين الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم؛ لثبوت الخلاف عن ابن مسعود رضي الله عنه، وبعض السلف، والظاهرية في العبيد.
وقد نص على الخلاف غير واحد من أهل العلم منهم ابن رشد الحفيد حيث قال: "اختلفوا في العبد يقذِف الحر كم حده"(3)، وإنما هو قول أكثر أهل العلم كما حرَّره ابن قدامة بقوله:"أجمع أهل العلم على وجوب الحد على العبد إذا قذف الحر المحصن. . . وحده أربعون في قول أكثر أهل العلم"(4)، إلا أنه نسب الإجماع للصحابة رضي الله عنهم، وهو مُتعقب كما سبق.
وممن حرَّر المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في حد القذف: "هو ثمانون جلدة إن كان القاذف حرًا، وأربعون إن كان رقيقًا عند الأئمة الأربعة"(5)، واللَّه تعالى أعلم.
[208/ 3] قاذف الفاسق يلزمه الحد كقاذف الفاضل ولا فرق
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الفسق: الفسق لغة: أصل الفِسق -بكسر الفاء- في كلام العرب بمعنى الخروج، يقال: فسقت الرطبة: إذا خرجت من
(1) سورة النور، آية (4).
(2)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 146)، المغني (9/ 78).
(3)
بداية المجتهد (2/ 363).
(4)
المغني (9/ 78).
(5)
الفتاوى الكبرى (3/ 415).
قشرها، ومنه: سميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها (1).
وكل معصية للَّه تعالى بفعل محظور، أو ترك مأمور فإنه يطلق عليه الفسق، قال الزبيدي:"والفسق يقع بالقَليل من الذنوب وبالكثير، ولكن تعورف فيما إذا كان بكَثيره"(2).
وقد حكى ابن فارس عن بعض أهل اللغة أنه لم يسمعْ قَطُّ في كلامِ الجاهلية أو شِعرهم لفظ فاسِقٌ في وصف الإنسان، وإنّما قالوا إذا خرجت الرطَبَة من قشرِها: فسَقَت الرُطَبَةُ عن قِشْرِها.
ثم تعجَّب من ذلك أن تكون كلمة عربية لم تأتِ في شِعْر جاهليٍّ (3).
والفسق في الاصطلاح: هو الخروج عن طاعة اللَّه تعالى، قال القرطبي:"الفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة اللَّه عز وجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان"(4).
ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (5)، أي خرج عن أمر ربه وطاعته (6).
إلا أن الفقهاء يعبِّرون بلفظ الفاسق على من جاهر بمعصية حرَّمها اللَّه، إما
(1) انظر: تهذيب اللغة (8/ 315)، مختار الصحاح، مادة:(ف س ق)، وذكر ابن عساكر أن الفسق مقيَّد بالخروج بأمر مكروه، حيث قال في "الفروق اللغوية" (405):"الفرق بين الفسق والخروج: أن الفسق في العربية خروج مكروه، ومنه يقال للفأرة: الفويسقة؛ لأنها تخرج من جحرها للإفساد، وقيل: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها؛ لأن ذلك فساد لها، ومنه سمي الخروج من طاعة اللَّه بكبيرة فسقًا، ومن الخروج مذموم ومحمود والفرق بينهما بيِّن".
(2)
تاج العروس من جواهر القاموس (26/ 304).
(3)
انظر: مقاييس اللغة (4/ 502).
(4)
تفسير القرطبي (1/ 226)، وانظر: التمهيد (12/ 174)، فتح الباري لابن رجب (1/ 133)، مجموع الفتاوى (7/ 328).
(5)
سورة الكهف، آية (50).
(6)
انظر: تأويل مختلف الحديث (141).
بإتيان كبيرة، أو بإصرار على صغيرة، أما مطلق الذنب فلا يُعتر فسقًا؛ لأنه ليس أحد يسلم من ذلك (1).
ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد القذف، وكان المقذوف فاسقًا، فإنه يقام حد القذف على القاذف، ولا فرق بين أن يكون المقذوف فاسقًا، أو عدلًا فاضلًا.
وينبَّه هنا إلى أنه يستثنى من المسألة إن كان فسق المقذوف سببه أنه زنى وأقيم عليه الحد في ذلك، ثم قذف القاذف في ذلك الأمر، فهذا غير مراد، كما سبق بيانه (2).
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف في أن قاذف الفاسق يلزمه الحد، كقاذف الفاضل، ولا فرق"(3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن المقصود من حد القذف دفع العار بما قُذف به، وتكذيب القاذف، والمقذوف إن كان عفيفًا عن الزنا، فإنه يلحقه
(1) انظر: الأحكام السلطانية (84)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 44)، مجموع الفتاوى (15/ 356).
(2)
سبق بيان هذه المسألة في المسألة رقم 174 بعنوان: "لا حد على من قذف محدودًا في الزنا إذا رماه بذلك الزنا"، وهذه المسألة عند التأمل هي مستثناه من صورة المسألة من جهة أن حد القذف لا يجب إلا إن كان المقذوف عفيفًا عن الزنا.
(3)
المحلى (12/ 261).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 40)، فتح القدير (5/ 319).
(5)
انظر: حاشية الدسوقي (4/ 326)، شرح مختصر خليل (8/ 86).
(6)
انظر: أسنى المطالب (3/ 374)، تحفة المحتاج (9/ 121).
(7)
انظر: الفروع (6/ 84)، الإنصاف (10/ 203).