الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2/ 1] إذا أقيم الحد على من وجب عليه على الوجه المشروع، فتلف، أو تلف عضو منه، فلا ضمان
• المراد بالمسألة: إذا ثبت الحد على شخص بما لا يوجب القتل، وأمر الحاكمُ بإقامة الحد عليه، فأقام المأمور الحد كما أمر به الشرع بلا زيادة، ولا نقص، ثم مات المحدود بسبب الحد، فحينئذٍ لا ضمان على الحاكم الذي أمر بالحد، ولا على المباشر.
ويتبين مما سبق أن من أقام الحد لو زاد في الحد ولو بطريق الخطأ، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
وكذا لو كان الموت بسبب غير الحد، كأن يموت بسبب سراية القود، أو التعزير، أو نحو ذلك فكل ذلك غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا على أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه"(1)، وقال الطحاوي (321 هـ) (2):"اتفاقهم في المقطوع في السرقة مات أنه لا شيء فيه؛ لأنه قطع بحق"(3).
وقال البغوي (516 هـ): "اتفق أهل العلم على أن الإمام إذا أقام حدًا على إنسان، فمات فيه، أنه لا ضمان عليه"(4).
(1) الاستذكار (8/ 187).
(2)
هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك بن سلمة، الأزدي، الحجري، المصري، ثم الطحاوي، ولد بطحا -قرية من صعيد مصر-، الفقيه الحنفي، القارئ، المحدث، تفقه على المذهب الشافعي، ثم تحول إلى المذهب الحنفي، انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، وكان ثقة ثبتًا، له مصنفات مشهورة، ولد سنة (239) هـ، وتوفي بالقاهرة سنة (321) هـ، انظر: الجواهر المضية 1/ 102، البداية والنهاية 11/ 174، الأعلام 1/ 196.
(3)
مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (4/ 87).
(4)
شرح السنة (10/ 339).
وقال القاضي عياض (544 هـ)(1): "لم يختلف العلماء فيمن مات من ضرب حد وجب عليه أنه لا دية فيه على الإمام ولا على بيت المال"(2).
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن الإمام إذا قطع السارق فسرى ذلك إلى نفسه أنه لا ضمان عليه"(3)، وقال الكاساني (587 هـ):"لو قطع الإمام يد السارق فمات منه لا ضمان على الإمام ولا على بيت المال، وكذلك الفصَّاد، والبزَّاغ (4)، والحجَّام، إذا سرت جراحاتهم لا ضمان عليهم بالإجماع"(5).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ)(6)"إجماعهم على أن السارق إذا مات من قطع يده أنه لا شيء على الذي قطع يده"(7).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في سائر الحدود، أنه إذا أُتي بها على الوجه المشروع، من غير زيادة، أنه لا يضمن مَن تَلِف
(1) هو أبو الفضل، عياض بن موسى بن عياض، اليحصبي، السبتي، الفقيه، المالكي، القاضي، المفسر، المحدث، وهو عالم المغرب، حافظًا لمذهب مالك، أصوليًا، عالمًا بالنحو واللغة، شاعرًا مجيدًا، وخطيبًا بليغًا، من تصانيفه:"الشفا بتعريف حقوق المصطفى"، و"إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم"، ولد بسبته بالمغرب سنة (476) هـ، وتوفي بمراكش سنة (544) هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1304، شذرات الذهب 4/ 138، العبر في خبر من غبر 4/ 122.
(2)
إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (5/ 284)
(3)
الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 163).
(4)
البزغ والتبزيغ: هو الشرط بالمِبْزَغ، أي الِمْشرط. والبزاغ هو الذي يشرط الجلد لإسالة الدم الفاسد منه. انظر: الصحاح (5/ 1)، لسان العرب، مادة:(بزغ)، (8/ 418).
(5)
بدائع الصنائع (7/ 205).
(6)
هو أبو الوليد، محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي، المالكي، ويعرف بابن رشد الحفيد، عالم، حكيم، مشارك في الفقه والطب والمنطق والعلوم الرياضية والإلهية، عني بكلام أرسطو وترجمته إلى العربية، حتى صار يضرب به المثل في الفلسفة، وزاد عليه زيادات كثيرة، ولي قضاء قرطبة، من تصانيفه:"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، و"الكليات في الطب"، وغيرها، ولد سنة (520 هـ)، وتوفي سنة (595 هـ). انظر: الأعلام 5/ 318، سير أعلام النبلاء 21/ 309، معجم المؤلفين 8/ 313.
(7)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد (2/ 408).
بها" (1)، ونقله عنه ابن قاسم (2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(3).
وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمعوا أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه"(4).
وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على أن من وجب عليه الحد فجلده الإمام أو جلاده الحد الشرعي فمات فلا دية فيه ولا كفارة لا على الإمام ولا على جلاده ولا في بيت المال"(5) ونقله عنه الصنعاني (6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق العلماء على أن الواجب المقدر كالحد لا تضمن سرايته"(7).
وقال ابن القيم (751 هـ): "سراية الجناية مضمونة بالاتفاق، وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق"(8). وقال ابن حجر (852 هـ): "اتفقوا على أن من مات من الضرب في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر"(9).
وقال ابن حجر الهيتمي (974 هـ)(10): "ولو حُد فمات، فلا ضمان
(1) المغني (9/ 140)، وانظر:(9/ 150) حيث قال: "الحد متفق عليه بيننا على أنه لا يجب ضمان المحدود إذا أتلف به".
(2)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 309).
(3)
الشرح الكبير (10/ 135).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 259).
(5)
شرح النووي (11/ 221).
(6)
انظر: سبل السلام (2/ 456).
(7)
منهاج السنة النبوية لابن تيمية (6/ 41)، وانظر: مجموع الفتاوى (28/ 380) حيث قال: "فأما الضرب المشروع فلا قصاص فيه بالإجماع إذ هو واجب أو مستحب أو جائز، ، ونقله عنه ابن قاسم في "حاشية الروض المربع" (7/ 221).
(8)
زاد المعاد لابن القيم (4/ 124).
(9)
فتح الباري (12/ 68).
(10)
هو أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، السعدي، الأنصاري الشافعي، ولد في محلة أبي الهيتم -من إقليم الغربية بمصر- وإليها نسبته، له تصانيف كثيرة، منها: مبلغ الأرب في فضائل العرب، والفتاوي الهيتمية، والصواعق المحرقة على أهل البدع والضلال =
إجماعًا" (1).
وقال الخطيب الشربيني (977 هـ)"ولو حد الإمام حيث كان الاستيفاء مقدرًا بنص فيه كحد قذف فمات المحدود، فلا ضمان بالإجماع"(2).
وقال أبو الطيب (1329 هـ): "لم يختلف العلماء فيمن مات من ضرب حد وجب عليه أنه لا دية فيه على الإمام ولا على بيت المال"(3).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يسنَّه" متفق عليه (4). وفي رواية للبيهقي بلفظ: "ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئًا؛ الحقُّ قتَلَه"(5).
الدليل الثاني: أن إقامة الحد مما أمر الشارع به، فيفعلها الإمام بأمر من اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يؤاخذ به، وقد تقرر عند الفقهاء قاعدة أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون (6)، ولذا كان حدوث التلف عن الحدود الواجبة هدر لا يضمن (7).
الدليل الثالث: أن إيجاب الضمان يفضي إلى امتناع بعض الأئمة من إقامة
= والزندقة، ولد سنة (909 هـ)، وتوفي سنة (973 هـ). انظر: البدر الطالع 140، معجم المؤلفين 2/ 152، الأعلام 1/ 234.
(1)
تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 193).
(2)
مغني المحتاج (5/ 535).
(3)
عون المعبود (12/ 126).
(4)
أخرجه البخاري رقم (6396)، ومسلم رقم (1707).
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 123)، وروي أيضًا مثله عن عمر رضي الله عنه فيمن يموت بسبب القصاص أنه لا دية له عند ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 388)، وعبد الرزاق في المصنف (9/ 457)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 123).
(6)
انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (6/ 392).
(7)
انظر: الحاوي الكبير (13/ 415)، نصب الراية (4/ 175)، المغني (9/ 140).
الحدود خوفًا من سريان الحد، ولزوم الضمان، وهو طريق لإبطال الحدود.
• المخالفون للإجماع: ذكر الكاساني عن أبي حنيفة رواية في وجوب الضمان على الإمام إن مات السارق بسبب قطع يده (1).
وبه قال ابن أبي ليلى (2)(3).
• دليل المخالف: يدل تضمين الإمام ما أتلفه بموجب الحد أن الإمام قد استوفى أكثر من حقه الذي شرعه اللَّه؛ فالسارق مثلًا الواجب فيه قطع اليد، والإمام تعدى إلى القتل، فوجب عليه الضمان، وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فتجب الدية (4).
النتيجة:
لمسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود
(1) انظر: بدائع الصنائع (7/ 305).
(2)
هو أبو عيسى، عبد الرحمن بن أبي ليلى، الأنصاري، الأوسي، المدني، تابعي كبير، ولد لست بقين من خلافة عمر، قال عبد الملك بن عمير:"أدركت ابن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من الصحابة منهم البراء بن عازب يستمعون لحديثه وينصتون له"، قيل: مات في وقعة الجماجم سنة (83 هـ). نظر: تاريخ بغداد 10/ 199، تهذيب التهذيب 6/ 260، الهداية والإرشاد 1/ 459.
(3)
انظر: البحر الزخار لابن المرتضى (6/ 228)، نيل الأوطار (7/ 173). عن الشافعية رواية أن شارب الخمر إن جُلد فوق الأربعين فمات فإنه يُضمن، لكن هذا ليس خلاف مسألة الباب؛ لأن هذا مبني على القول بأن الحد في شرب الخمر أربعون جلدة، وتجوز الزيادة إلى ثمانين. وكذا عن الشافعية الخمإن جُلد بالنعال والثياب فمات من ذلك فإنه يُضمن، وهذا أيضًا ليس خلاف مسألة الباب، لأن هذا القول مبني على أن الواجب في الجلد هو بالسوط، فيكون الجلد بالثياب والنعال زيادة في الحد لم يأمر به الشرع، فوجب به الضمان. انظر رواية عند الشافعية اختارها البلقيني إلى أن شارب الخمر إن مات من الجلد فإنه يُضمن، وهذا القول عندهم مبني على أن جلد شارب الخمر ليس حدًا، بل مرجعه إلى الحاكم، وهو اختيار الشوكاني في سبل السلام (2/ 456). انظر لأقوال الشافعية السابقة: أسنى المطالب (3/ 164)، مغني المحتاج (5/ 535)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 209 - 210).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 305).