الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما من قال بإقامة حد الجلد بعد طهر المرأة من نفاسها فاستدل بما رواه مسلم عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي رضي الله عنه فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(أحسنت، اتركها حتى تماثل)(1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف في المسألة.
لكن يمكن أن يُقال: بأن المرأة إن كان حدُّها الرجم، ولم يوجد لصبيِّها من يُرضعه ويَكفله، فإن ترك إقامة الحد عليها حتى تفطم ولدها عليه إجماع أهل العلم؛ إذ لا خلاف فيه إلا في وجه عند الشافعية، يمكن القول بشذوذه لعدم متابعته، وعدم الدليل له في ذلك، ومعارضته النصوص الصريحة، واللَّه تعالى أعلم.
[135/ 2] الزاني إن كان رجلًا فإنه يرجم قائمًا، ولا يوثق ولا يحفر له أثناء رجمه، سواء ثبت زناه ببينة أو إقرار
.
• المراد بالمسائل: إذا ارتكب رجل ما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الإمام، فإن من صفة إقامة الحد عليه أن يُرجم وهو قائم، وألا يوثق برباط ونحوه أثناء رجمه، وألَّا يُحفر له أيضًا.
وبهذا يتبيَّن أن الحد إن كان على امرأة، أو كان الحد جلدًا لا رجمًا فكل ذلك غير مراد في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن الرجل
= الأنصار فقال: ى رضاعه): ما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته، وسمَّاه رضاعًا مجازًا".
(1)
أخرجه مسلم رقم (1705).
المرجوم لا يحفر له" (1) ونقله عنه ابن قاسم (2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "إذا كان الزاني رجلًا أقيم قائمًا، ولم يوثق بشيء، ولم يحفر له، سواء ثبت الزنا ببينة أو إقرار، لا نعلم فيه خلافًا" (3) ونقله عنه ابن قاسم (4). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(5).
وقال ابن قاسم (1392 هـ): " (ولا يحفر للمرجوم في الزنا رجلًا كان أو امرأة) أما الرجل فبالاتفاق"(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (7)، المالكية في عدم الحفر (8)، والشافعية (9).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلًا من أسلم يقال له ماعز بن مالك، أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت فاحشة فأقمه علي، فرده النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا قال ثم سأل قومه؟ فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد، قال فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نرجمه، قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، قال، فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال فاشتد واشتددنا، خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة - يعني الحجارة
(1) الإفصاح في معاني الصحاح (2/ 269).
(2)
حاشية الروض المربع (7/ 310).
(3)
المغني (9/ 40).
(4)
حاشية الروض المربع (7/ 310).
(5)
الشرح الكبير (10/ 137).
(6)
حاشية الروض المربع (7/ 310).
(7)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 59)، المبسوط (9/ 51)، معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام (187).
(8)
انظر: المدونة (4/ 508)، الاستذكار (7/ 474)، المنتقى شرح الموطأ (7/ 134)، الذخيرة (12/ 73).
(9)
انظر: أسنى المطالب (4/ 133)، تحفة المحتاج (9/ 118)، مغني المحتاج (5/ 457)، شرح النووي (11/ 205).
- حتى سكت. . . الحديث (1).
• وجه الدلالة: الحديث ظاهر حيث فيه نص أنهم لم يوثقوا ماعزًا، ولا حفروا له، وأنه هرب حين رجمه وهو يدل على عدم توثيقه، والحفر له، وإلا لما استطاع الهرب (2).
الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاؤوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(ما تجدون في التوراة في شأن الرجم)، فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد اللَّه بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأَتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرُجما، قال عبد اللَّه: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة" متفق عليه (3).
• وجه الدلالة: انحناء الرجل على المرأة ليقيها من الحجارة دليل على أنه لم يُحفر لهما، ولم يوثقا، وإلا لما استطاع أن ينحني عليها (4).
الدليل الثالث: قول ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل في هذه الأمة تجريد، ولا مد، ولا غل، ولا صفد"(5).
الدليل الرابع: أن الحفر والتوثيق عقوبة زائدة لم يرد بها الشرع، وتحتاج
(1) أخرجه مسلم رقم (1694).
(2)
انظر: المبسوط (9/ 51)، المغني (9/ 40).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1330)، ومسلم رقم (1699).
(4)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 134).
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الصغرى"(3/ 345).
إلى دليل (1).
• المخالفون للإجماع: ثمة ثلاث مسائل:
أولًا: رجم الزاني وهو قائم: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرجل يرجم قاعدًا، أو قائمًا. وبه قال ابن حزم (2). وقيل: يُرجم قاعدًا. وهو منسوب إلى مالك (3).
ثانيًا: عدم توثيق الزاني أثناء الرجم: ذهب طائفة إلى أن الزاني إن حُفر له فالأولى عدم ربط يديه. وهو قول لبعض المالكية (4).
والظاهر في مذهب المالكية أن للإمام توثيقه وعدم توثيقه كما هو الحال في القيام والقعود (5).
ثالثًا: الحفر للمرجوم: خالف بعض الفقهاء في مسألة الحفر للرجل الزاني على ثلاثة أقوال: القول الأول: يحفر للرجل.
وهو قول للمالكية (6)، وبه قال قتادة وأبو ثور (7)، ونسبه النووي إلى أبي
(1) انظر: المغني (9/ 40).
(2)
انظر: المحلى (12/ 80 - 81).
(3)
ونسبه إلى الإمام مالك القاضي عياض في إكمال المعلم (5/ 271)، ثم تبعه النووي في شرح مسلم (11/ 205)، ثم تبعه على ذلك الصنعاني في "سبل السلام"(2/ 417)، ولم أجد في كتب المالكية تصريحًا لذلك في حد الرجم، وإنما ينصون على القعود وعدم الربط في حد الجلد، وهو يدل على أن الرجم الإمام فيه مخيَّر في ذلك، فلعلَّ من نسب لمالك القعود في الرجم قاس مسألة الرجم على الجلد.
وذكر وهبة الزحيلي في "الفقه الإسلامي وأدلته"(7/ 328) أن مذهب الجمهور هو رجم الزاني إن كان رجلًا قائمًا، بدون ربط، ولا حفر، ولم يحك خلافًا لأحد من المذاهب الأربعة، واللَّه أعلم.
(4)
انظر: منح الجليل (9/ 261).
(5)
ولم أجد للمالكية تصريحًا في ربط اليدين أو إرسالها إذا لم يُحفر للمرجوم، وإنما ينصون على القعود وعدم الربط في حد الجلد، وهو يدل على أن الرجم الإمام فيه مخيَّر في ذلك، ليس فيه أمر مقدَّم على الآخر.
(6)
انظر: شرح مختصر خليل (8/ 82)، الذخيرة (12/ 73).
(7)
انظر: شرح السنة (10/ 288)، معالم السنن (3/ 322)، ونقل البغوي والخطابي في هذا =
يوسف وأبي حنيفة في رواية (1).
القول الثاني: أن الحفر للرجل على التخيير إن شاء الإمام حَفر له، وإن شاء لم يُحفر له.
وهو قول لبعض المالكية (2)، وبعض الشافعية (3)، ونسبه بعض أهل العلم للشافعي (4).
القول الثالث: إن كان زناه ثبت ببينة فإنه يحفر له، وإن كان بإقرار فلا يُحفر له. وهو قول لبعض الشافعية (5).
• دليل المخالف: أما من أجاز الحفر فاستدل بما ثبت عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه: أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال:(أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا؟ )، فقالوا: ما نعلمه إلا وَفِيَّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة، حفر له حفرة، ثم أمر به فرجم" (6).
• وجه الدلالة: في الحديث نص على أنه قد حُفر لماعز حين رُجم.
= الموضع عن أبي ثور موافقة الجمهور أنه لا يحفر للرجل، بينما نقل آخرون كابن رشد في بداية المجتهد (2/ 358)، وابن عبد البر في الاستذكار (7/ 474)، والنووي في شرح مسلم (11/ 197) أنه يرى الحفر للرجل، فاللَّه أعلم.
(1)
شرح النووي (11/ 197).
(2)
انظر: الذخيرة (12/ 73).
(3)
انظر: تحفة المحتاج (9/ 118)، مغني المحتاج (5/ 457)، شرح النووي (11/ 205).
(4)
وممن نسبه للشافعي ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد"(2/ 359)، وابن عبد البر في "الاستذكار"(7/ 474).
(5)
انظر: مغني المحتاج (5/ 457)، الأحكام السلطانية (280)، إكمال المعلم (5/ 522).
(6)
أخرجه مسلم رقم (1695).