الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم في جميع الحدود سوى السرقة؛ لعدم المخالف، أما في حد السرقة فليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض متأخري الحنفية، ومذهب المالكية.
ومن حكى الإجماع فلعله أراد ذلك من حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم.
[48/ 1] يشترط لإقامة الحد بالشهادة عدم التقادم، باستثناء حد القذف
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، كزنى، أو سرقة، أو غيرهما، ثم مضى على جريمته أكثر من شهر، وبعد مضي الشهر شهد عليه الشهود بتلك الجريمة من زنا أو غيره، فإنه لا يُقام عليه الحد بموجب الشهادة، لأن من شرط قبول الشهادة في الحدود ألَّا يكون الفعل قد تقادم، أي صار قديمًا بمدة تزيد على الشهر (1).
ويستثنى من ذلك حد القذف فإنه لو شُهد على شخص بما يوجب حد القذف ولو بعد مضي شهر فالمسألة غير مرادة.
وبهذا يتبيَّن أن الحد إن كان ثبوته بموجب الإقرار فالمسألة غير مرادة.
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "عدم التقادم: وأنه شرط في حد الزنا. . . . لما روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال: "أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته، فإنما شهدوا عن ضغن ولا شهادة لهم" (2)، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر، فيكون إجماعًا"(3). وقال المرغياني (593 هـ): "فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق"(4).
(1) مسألة اشتراط التقادم في قبول الشهادة في الحدود هي مما تفرد به الحنفية عن سائر المذاهب، وقد اختلفوا في مقدار المدة التي يعتبر الشاهد فيها قديمًا في شهادته فقيل: هي شهر، وقيل: ستة أشهر، وقيل: أن ذلك يرجع للإمام. انظر: العناية شرح الهداية (5/ 278)، حاشية ابن يونس الشلبي على تبيين الحقائق (3/ 196).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (7/ 432).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 46).
(4)
الهداية شرح البداية (2/ 110).
وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "التقادم في الحدود إلا في حد القذف مانع عن قبول الشهادة بالاتفاق"(1).
وقال ابن نجيم (970 هـ): "التقادم يمنع من قبول الشهادة بالاتفاق"(2).
وقال دامان (1078 هـ): "التقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق"(3).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مناديًا في السوق: أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين، قيل: وما الظنين؟ قال: المتهم في دينه"(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى برد شهادة الخصم، والشاهد بعد التقادم فيه تهمة بأنه حملته الخصومة على أداء الشهادة؛ لأن الشاهد إذا عاين الجريمة فهو مخير بين أداء الشهادة وبين الستر على أخيه المسلم، فإذا لم يشهد على فور المعاينة حتى تقادم العهد، كان ذلك دليلًا على اختياره جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك فإن شهادته لا تكون إلا عن ضغينة حملته على أدائها، فترد شهادته للتهمة في احتمال وجود الضغينة (5).
الدليل الثاني: أنه مروي عن عمر رضي الله عنه، ولم يُنكَر عليه، فيكون إجماعًا (6).
الدليل الثالث: أن الحدود تدرأ بالشبهات، واحتمال الضغينة في الشهادة بالتقادم شبهة تدرأ بها الحدود (7).
(1) حاشية ابن يونس الشلبي على تبيين الحقائق (3/ 196).
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 29).
(3)
مجمع الأنهر (1/ 603).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(8/ 320)، والبيهقي في "السنن الصغري"(4/ 172).
(5)
بدائع الصنائع (7/ 46)، البحر الرائق (5/ 21)، العناية شرح الهداية (5/ 280).
(6)
بدائع الصنائع (7/ 46)، فتح القدير (5/ 279).
(7)
بدائع الصنائع (7/ 46).
• المخالفون للإجماع: ذهب جمهور العلماء إلى قبول الشهادة بحد الزنا ولو كانت قديمة.
وبه قال زفر من الحنفية (1)، وهو الظاهر من مذهب المالكية (2).
وعليه نص الشافعية (3)، والحنابلة (4).
• دليل المخالف: الدليل الأول: عموم النصوص الدالة على قبول الشهادة في الحدود، وليس فيها تقييد بقبول الشهادة بزمن معيَّن.
الدليل الثاني: أن قبول الشهادة ثبت بدليل شرعي، فلا يمكن إبطاله إلا بدليل شرعي (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، بل الخلاف فيها مشهور بين المذاهب الأربعة.
وما حكاه الكاساني من الإجماع أراد به الإجماع السكوتي الظني، الذي طريقه حدوث الواقعة دون العلم بالمنكر، وأما حكاية غيره من الأحناف للاتفاق في المسألة فالظاهر أنهم أرادوا به الاتفاق المذهبي، واللَّه تعالى أعلم.
(1) انظر: تبيين الحقائق (3/ 188)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 29).
(2)
ولم أجد لهم نصًا صريحًا في هذه المسألة، إلا أنهم لم يذكروا في موانع قبول الشهادة عدم التقادم، ولم يتطرَّقوا لمسألة التقادم في الحدود، فدل ذلك على قبول الشهادة فيها بناء على الأصل، وقد نسب إليهم القول بقبول الشهادة مع التقادم في الموسوعة الفقهية الكويتية (24/ 9) حيث جاء فيها:"ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الشهادة على الزنا والقذف وشرب الخمر تقبل ولو بعد مضي زمان طويل من الواقعة".
(3)
انظر: الأحكام السلطانية (280)، أسنى المطالب (4/ 132).
(4)
انظر: المغني (9/ 70)، الشرح الكبير (10/ 205).
(5)
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (13/ 124).