الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . . الحديث (1).
• ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ المرأة حتى تضع، ثم ردَّها حتى تفطمه، وهي في هذه الفترة لا شك أنها تؤدي أعمالًا صالحة منها الصلوات الخمس ومع ذلك لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم عنها الحد، بل أقامه عليها.
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه أعلم (2).
[10/ 1] عدم جواز الكفالة في الحدود
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الكفالة:
الكفالة لغة: أصل الكفالة في اللغة بمعنى الضم، كما قال ابن فارس:"الكاف والفاء واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تضمُّنِ الشَّيء للشيء"(3).
يُقال: كَفَله يَكْفُله وكَفَّله إِيّاه، أي ضمنه، والكافل: هو القائم بأمر من
(1) أخرجه مسلم رقم (1695).
(2)
ولا يُشكل على هذا ما حُكي عن ابن حزم وغيره أن الكبائر تُكفَّر بالأعمال الصالحة، لأن هذا في غير الحدود، فإن ابن حزم هو الذي حكى الإجماع على أن الحد لا يُكفر بالحج، اختار أيضًا في "المحلى"(12/ 14 - 15) أن الحدود لا تسقط بالتوبة، فلا يُكفِّرها إلا إقامة الحد.
(3)
مقاييس اللغة (5/ 187).
يكفُله، العائل له، ومنه قوله تعالى:{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)"وأشار بالسبابة والوسطى"(2).
ويقال أيضًا: كفل المال وكفل بالمال، أي ضمنه، وتكفل بالشيء ألزم نفسه به وتحمَّله (3).
والحمالة في اللغة والكفالة والضمان والزعامة كل ذلك بمعنى واحد (4).
الكفالة شرعًا: اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفهم للكفالة، ولكن لعل أقرب التعاريف لما نحن بصدد الكلام عنه أن يقال:"ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق"(5).
ثانيًا: صورة المسألة: إذا ثبت الحد على شخصِ، فإنه لا يجوز لأحد أن يضمن من وجب عليه الحد، بحيث أنه لو تعذَّر إقامة الحد عليه فإن الحد يُقام على الكفيل.
ويتبيَّن مما سبق أن المراد: الكفالة في العقوبة أي الموجبة لإقامة الحد على الكفيل في حال تعذُّر حضور المكفول، أما الكفالة بالبدن التي تتضمن الالتزام بإحضار المكفول فقط، فهذه غير مرادة في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه لا يجوز
(1) سورة آل عمران، آية (37).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الطلاق، باب: اللعان رقم (4998)، ومسلم، كتاب: الزهد والرقائق، باب: الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، رقم (2983).
(3)
انظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (1/ 233)، الصحاح (6/ 88)، لسان العرب، مادة (كفل)(11/ 588).
(4)
منح الجليل شرح مختصر خليل (6/ 198).
(5)
هذا تعريف ابن قدامة في المغني (5/ 70).
الكفالة في الحدود" (1).
وقال ابن القطان (628 هـ): "كل من يحفظ عنه من أهل العلم يقول أنه لا تجوز الكفالة في الحدود"(2). وقال القرطبي (671 هـ): "إذ الحمالة في الحدود ونحوها -بمعنى إحضار المضمون فقط- جائزة مع التراضي، غير لازمة إذا أبى الطالب، وأما الحمالة في مثل هذا على أن يلزم الحميل ما كان يلزم المضمون من عقوبة، فلا يجوز إجماعًا"(3).
وقال ابن حجر (852 هـ)"الكفالة بالنفس قال بها الجمهور (4) ولم يختلف من قال بها أن المكفول بحد، أو قصاص إذا غاب، أو مات أن لا حد على الكفيل"(5).
• الموافقون على الإجماع: الحنفية (6)، الحنابلة (7)، والظاهرية (8).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)} (9).
• وجه الدلالة: في الآية دلالة على أن الإنسان لا يعاقب على ذنب فعله غيره، فلا يُقام على الشخص حدٌ على معصية لم يرتكبها.
(1) الإجماع (114)، وانظر: الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (3/ 53).
(2)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 247).
(3)
تفسير القرطبي (9/ 240).
(4)
المراد بالكفالة بالنفس هي الكفالة ببدن من عليه حق، وذلك بإحضاره لمجلس الحكم إلى المكفول، فإن كانت الكفالة متعلقة بحق مالي كالديون فهي جائزة بالاتفاق، خلافًا لابن حزم. انظر: بدائع الصنائع (6/ 8)، مواهب الجليل للحطاب (5/ 99)، نهاية المحتاج للرملي (5/ 257)، المغني (4/ 357 - 358)، المحلى (6/ 408).
(5)
فتح الباري (4/ 440).
(6)
انظر: المبسوط (20/ 103)، بدائع الصنائع (6/ 8)، العناية شرح الهداية (7/ 197).
(7)
انظر: المبدع (4/ 262)، الشرح الكبير (5/ 99)، الإنصاف (5/ 211).
(8)
انظر: المحلى (6/ 408).
(9)
سورة فاطر، آية:(13).