الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس مسائل الإجماع فيما يسقط حد السرقة
[83/ 1] المسألة الثالثة والثمانون: لا يسقط حد السرقة إذا لم يهبه المسروق منه ما سرق
.
• المراد بالمسألة: لو سرق شخص ما يوجب القطع، ولم يتملك السارق ما سرقه، بهبة أو نحوه، فإن الأمر إذا بلغ للحاكم وجب القطع (1).
• من نقل الإجماع: نقل ابن حزم (456 هـ) الاتفاق على أن صاحب المال إذا لم يهب المسروق للسارق فإنه يقطع (2).
• مستند الإجماع: دليل المسألة ظاهر من حيث أن السارق سرق ما يوجب القطع، وليس ثمة ما يسقط إقامة الحد.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[84/ 1] المسألة الرابعة والثمانون: يسقط حد السرقة بهبة المسروق منه للسارق ما سرق قبل بلوغ الإمام
.
• المراد بالمسألة: الهبة لغةً: قال أبو البقاء: "الهبة: أصلها من الوهب، بتسكين الهاء وتحريكها، كذلك في كل معتل الفاء، كالوعد والعِدّة، والوعظ والعظة، فكانت من المصادر التي تحذف أوائلها وتعوض في آخرها التاء،
(1) الفرق بين هذه المسألة والمسألة التي بعدها تحت عنوان: "يسقط حد السرقة بهبة المسروق منه ما سرق للسارق"، أن هذه المسألة حاصلها أن الهبة إن حصلت قبل بلوغ الإمام سقط القطع، ومفهومها أن الهبة إذا لم تقع فالمسألة خلاف، ومسألة الباب بيَّنت أن المسألة إذا لم تقع فإن القطع إجماع أيضًا.
(2)
مراتب الإجماع (221)، ونقله عنه المطيعي في تكلمة المجموع (20/ 78).
ومعناها إيصال الشيء إلى الغير بما ينفعه، سواء كان مالًا، أو غير مال" (1).
وقال الفيومي: "وهَبْتُ لزيد مالًا، أهَبُهُ له هِبَةَ: أعطيته بلا عوض"(2).
• الهبة اصطلاحًا: قال الجرجاني: "الهبة في اللغة: التبرع، وفي الشرع: تمليك العين بلا عوض"(3).
ويتبيَّن من هذا أن المعنى الاصطلاحي للهبة موافق للمعنى اللغوي.
• ثانيًا: صورة المسألة: لو سرق شخص من آخر ما يوجب القطع، وقبل بلوغ الأمر للإمام تملَّك السارق ما سرقه، إما بأن تبرع المسروق منه بهبة المسروق للسارق، وقبل السارق الهبة، أو باعه إياه، أو ورثه، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا قطع حينئذٍ.
ويتبين مما سبق أن الإهداء لو كان بعد بلوغ الأمر للحاكم، أو كان السارق لم يتملك تمام الملك، بأن لم يقبل بالهبة مثلًا، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "مُلك السارق المسروق قبل القضاء، نحو ما إذا وهب المسروق منه المسروق من السارق قبل القضاء: وجملة الكلام فيه، أن الأمر لا يخلو: إما أن وهبه منه قبل القضاء، وإما أن وهبه
(1) الكليات (1539).
(2)
المصباح المنير، مادة:(وهب)، (674)، وانظر: التعريفات (1/ 319)، لسان العرب، مادة:(وهب)، (1/ 803).
(3)
التعريفات (1/ 319)، وانظر: شرح حدود ابن عرفة (421)، شرح كشف الأسرار شرح أصول البروذي (4/ 251)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 261)، التوقيف على مهمات التعاريف الفقهية (738).
قال أبو البقاء الحنبلي في كتابه المطلع (291) في التفريق بين الهبة والهدية والصدقة: "الهبة والهدية وصدقة التطوع أنواع من البر متقاربة يجمعها تمليك عين بلا عوض فإن تمحض فيها طلب التقرب إلى اللَّه تعالى بإعطاء محتاج فهي صدقة وإن حملت إلى مكان المهدي إليه إعظامًا له وإكرامًا وتوددًا فيه هدية وإلا فهبة".
بعد القضاء قبل الإمضاء. فإن وهبه قبل القضاء: يسقط القطع بلا خلاف" (1).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "إن ملك العين المسروقة بهبة أو بيع أو غير ذلك من أسباب الملك وكان ملكها قبل رفعه إلى الحاكم والمطالبة بها عنده لم يجب القطع، وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافًا"(2)، ونقله عله عنه ابن مفلح (3).
وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "أجمعوا على أنه لو ملكه قبل الخصومة لا يجوز استيفاء القطع"(4).
• مستند الإجماع: دليل المسألة الأثر والنظر:
1 -
عن صفوان بن أمية رضي الله عنه أنه: "سُرقت خميصته من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته)(5).
وفي رواية لأبي داود والنسائي بلفظ: "قال صفوان: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، (قال: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) (6).
وفي رواية لابن ماجه بلفظ: "فقال صفوان: يا رسول اللَّه لم أرد، هذا ردائي عليه صدقة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(فهلا قبل أن تأتيني به)(7).
• وجه الدلالة: سياق الحديث بروايته فيه دلالة صريحة على قبول إسقاط الحد
(1) بدائع الصنائع (7/ 89).
(2)
الشرح الكبير (10/ 253).
(3)
الفروع (6/ 127).
(4)
حاشية ابن يونس الشلبي على تبيين الحقائق (3/ 230).
(5)
أخرجه أحمد (24/ 15)، والنسائي (رقم: 4884) واللفظ له.
(6)
أخرجه أبو داود (رقم: 4394)، والنسائي (رقم: 4883)، وقد سبق تخريجه.
(7)
أخرجه ابن ماجه (رقم: 2595).
بهبة المال المسروق قبل رفعه للحاكم، ولذا قال ابن عبد البر بعد سياقه للحديث:"وهذا يدل على أنه لو وهب للسارق رداءه قبل أن يأتيه به لما قطع"(1).
2 -
من النظر: علل الفقهاء لعدم القطع بأن المطالبة شرط للحكم بالقطع، فإذا تملكه السارق قبل القضاء امتنعت المطالبة (2).
• المخالفون للإجماع: القول بعدم القطع في مسألة الباب هو مذهب الحنفية (3)، والشافعية (4)، ورواية عن أحمد (5).
بينما ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب إقامة الحد، وهو مذهب المالكية (6)، والرواية الأخرى عن أحمد (7) وبه قال ابن أبي ليلى، وحكاه الطحاوي وغيره عن الشافعي (8).
• دليل المخالف: علل المخالف في مسألة الباب بما يلي:
1 -
أن العبرة بحال المسروق حين خروجه من الحرز، بدليل أن المسروق لو نقص بعد إخراجه من الحرز لم يسقط القطع؛ لأن العبرة بالمسروق حين إخراجه من الحرز، فكذلك هنا، ولذا فلا تشترط مطالبة صاحب المال المسروق عند مالك، وأحمد في رواية.
2 -
القياس: فإن الزاني بأمة غيره لو وهبت له قبل أن يقام عليه الحد، أو يشتريها قبل أن يقام عليه الحد، فإن ملكه الطارئ لا يزيل عنه الحد، فكذا هنا (9).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل
(1) التمهيد (11/ 223).
(2)
المغني (9/ 112).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (5/ 406).
(4)
انظر: تحفة المحتاج (9/ 128).
(5)
انظر: الإنصاف (10/ 265).
(6)
انظر: شرح مختصر خليل (8/ 97).
(7)
الإنصاف (10/ 265).
(8)
انظر: التمهيد (11/ 223)، طرح التثريب (8/ 36).
(9)
انظر: التمهيد (11/ 223)، شرح مختصر خليل (8/ 97).