الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالخلاف في مسألة الباب داخل ضمن قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا حكم الحاكم فاجتهد وأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر)(1).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وإن كان ثمة طائفة شددت في المسألة وجعلوها مما يقارب مسائل العقائد، وكان من لازم قولهم القول بتكفير المخالف، كما أشار إلى ذلك القرطبي في كلامه السابق، وهذا بلا ريب مسلك غلط، بل نبه شيخ الإسلام ابن تيمية على أنه ليس للمخالف في المسألة أن يخطئ من خالفه فضلًا عن تضليله، فقال:"من قال من الفقهاء أنها واجبة على قراءة من أثبتها، أو مكروهة على قراءة من لم يثبتها، فقد غلط. . . وبهذا يتبين أن من أنكر كونها من القرآن بالكلية إلا في سورة النمل، وقطع بخطأ من أثبتها بناء على أن القرآن لا تثبت إلا بالقطع، فهو مخطئ في ذلك"(2).
والظاهر أن موجب الاعتناء بمسألة الباب وتشديد من شدد فيها ما يترتب عليها من صحة الصلاة وفسادها، فإن الشافعية ورواية عند الحنابلة يرون وجوب قراءة البسملة مع الفاتحة في الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بذلك (3).
[126/ 4] المسألة السادسة والعشرون بعد المائة: لا تصح الردة من سكران لا يعقل
.
• المراد بالمسألة: لو أن ثمة شخص ارتد حال ذهاب عقله بالسكر، فإنه لا يحكم بردته، سواء سكِر باختياره، أو مكرهًا، لحاجة، أو لغير حاجة.
ويتبين مما سبق أن السكران إن ارتد حل سكره الذي لا يذهب عقله، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال السرخسي (483 هـ): "السكران لو ارتد لم تصح
(1) صحيح البخاري (رقم: 6919)، وصحيح مسلم (رقم: 1716).
(2)
مجموع الفتاوى (12/ 354).
(3)
انظر: المجموع (3/ 289)، الإنصاف (2/ 48).
ردته بالاتفاق" (1). قال القرطبي (671 هـ): "أما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء، ولا الرجل من المرأة، فلا اختلاف في أنه كالمجنون في جميع أفعال وأحواله فيما بينه وبين الناس، وفيما بينه وبين اللَّه تعالى أيضًا" (2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
ما في الصحيحين في حديث طويل في قصة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه (3) حينما عقر بعيرَي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فشكا عليٌ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل على حمزة، فجعل يلومه على ما فعل "فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم صعد النظر، فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى سرته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: "هل أنتم إلا عبيدٌ لأَبي"، فعرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل (4)، فنكص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى، وخرجنا معه"(5).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ حمزة رضي الله عنه بمقالته: "هل أنتم إلا عبيد لأبي"، مع أنها كفر في ظاهرها؛ إذ هي قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فترك النبي
(1) المبسوط (6/ 176).
(2)
تفسير القرطبي (5/ 204).
(3)
هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، كان يقال له أسد اللَّه وأسد رسوله، يكنى أبا عمارة، وأبا يعلى، بابنيه عمارة ويعلى، عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، شهد بدرًا وأبلى فيها بلاء حسنًا، ثم شهد أحدًا واستشهد فيها، قتله وحشي بن حرب، ودفن هو وابن أخته عبد اللَّه بن جحش في قبر واحد. انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 172، الإصابة 2/ 121، الأعلام 2/ 278.
(4)
الثمل: هو الشراب إذا تم تنقيعه حتى يختمر، ويقال: فلان أثمله الشراب، إذا شرب من الشراب الثمل، وفلان ثمل: أي أن الشراب غطى على عقله، وصار الرجل سكرانًا. انظر: تهذيب اللغة (15/ 69)، المعجم الوسيط (1/ 100).
(5)
صحيح البخاري، كتاب: الخمس، باب: فرض الخمس، (رقم: 2925)، وصحيح مسلم، كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر، (رقم: 1979).
-صلى الله عليه وسلم مؤاخذته لكونه كان قد ذهب عقله بالسكر.
2 -
أن السكران داخل في عموم ما رواه الخمسة من حديث علي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل)(1).
• وجه الدلالة: أن السكران بمنزلة المجنون، إذ كلاهما قد ذهب عقله، فلا يكون مكلفًا (2).
3 -
علل القائلون بعدم صحة ردة السكران أن الردة تفتقر إلى اعتقاد ونية، والسكران لا يعتقد ما يقوله، بل ربما لا يعقل ما يقوله فضلًا عن أن يعتقده.
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى أن السكران المتعدي بسكره مؤاخذ بأقواله، وبنوا عليه القول بأن ردة السكران صحيحة، وهو مؤاخذ بردته.
وهو مذهب الشافعية (3)، ورواية عن الإمام أحمد، هي الصحيحة في مذهبه (4).
• دليل المخالف: استدل القائلون بردة السكران بما يلي:
1 -
أن الصحابة أجمعوا على مؤاخذة السكران بالقذف، وهو دليل على أن أقواله معتبرة.
2 -
أن السكران مكلف، وعقله لا يزول كليًا، فهو أشبه بالناعس منه بالنائم أو المجنون (5).
(1) أخرجه أحمد (2/ 245)، والترمذي (رقم: 1423)، وأبو داود (رقم: 4403)، من حديث علي رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد (41/ 224)، وأبو داود (رقم: 4398)، والنسائي (رقم 3432)، وابن ماجه، (رقم: 2041)
(2)
انظر: المغني (9/ 31 - 32)، فتح القدير (6/ 98).
(3)
انظر: أسنى المطالب (4/ 120)، تحفة المحتاج (9/ 93).
(4)
انظر: المغني (9/ 31)، الإنصاف (10/ 331).
(5)
انظر: المغني (9/ 31 - 32)، أسنى المطالب (4/ 120).