الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[53/ 4] المسألة الثالثة والخمسون: اللَّه عز وجل واحد لا شريك له، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء معه، ومن خالف ذلك فهو كافر
.
• المراد بالمسألة: هذه المسألة على قسمين: الأول: أن اللَّه تعالى واحد في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فمن أنكر ذلك، وزعم أن ثمة شريكًا للَّه تعالى يستحق أن يكون ربًا أو إلهًا يُعبد فقد كفر.
الثاني: أن اللَّه تعالى لم يزل وحده، ولا شيء غيره معه، ثم خلق الأشياء.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع:
اتفقوا أن اللَّه عز وجل واحد لا شريك له، خالق كل شيء. وأنه تعالى لم يزل وحده، ولا شيء معه غيره. وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا" (1).
• مستند الإجماع: أما أن اللَّه تعالى واحد لا شريك له فأدلته مستفيضة، منها:
1 -
2 -
قال اللَّه تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} (3).
3 -
قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)} (4).
(1) مراتب الإجماع (267)، بتصرف يسير.
(2)
سورة يونس، آية (31).
(3)
سورة الأنعام، آية (162 - 163).
(4)
سورة الإسراء، آية (42).
4 -
بل قد أفرد اللَّه تعالى لذلك سورة وجعلها تعدل ثلث القرآن (2)، وهي سورة الإخلاص حيث قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (3).
والنصوص في تقرير وحدانيته تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته متواترة مستقرة، يطول حصرها والمراد الإشارة (4).
وأما أن اللَّه تعالى لم يزل ولم يكن شيء معه فدليله ما يلي:
1 -
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم، فقال:(اقبلوا البشرى يا بني تميم) قالوا: قد بشَّرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال:(اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم) قالوا: قد قبلنا يا رسول اللَّه، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال:(كان اللَّه ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض)(5).
وفي رواية أخرى للبخاري بلفظ: (كان اللَّه ولم يكن شيء قبله)(6).
(1) سورة الشورى، آية (11).
(2)
والأحاديث في ذلك كثيرة منها ما أخرجه البخاري (رقم: 4727)، ومسلم (رقم: 811)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة)، فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول اللَّه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (اللَّه الواحد الصمد ثلث القرآن).
(3)
سورة الإخلاص.
(4)
انظر: كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حيث ذكر في هذا الباب أقسامًا، ودلل لكل قسم بما فيه كفاية لمن طلب الحق.
(5)
صحيح البخاري (رقم: 3019).
(6)
صحح البخاري.
وأما لفظ: "لم يكن شيء معه" فليس في شيء من كتب السنة، لكن الحديث مخرجه واحد والقصة متحدة، فلا بد أن يكون أحد اللفظين صحيحًا والآخر روي بالمعنى، ولذا مال جماعة من أهل العلم إلى الرواية الأولى منهم ابن حجر (1)، وأن قوله:"ولم يكن شيء غيره"، هي بمعنى لم يكن شيء معه.
2 -
عن أبي العقيلي (2) قال: قلت: يا رسول اللَّه أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: (كان في عماء، ما تحته هواء وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء)، قال أحمد بن منيع (3) قال يزيد بن هارون (4): العماء أي ليس معه شيء (5).
(1) انظر: فتح الباري (13/ 410).
(2)
هو أبو رَزين العقيلي، لقيط بن عامر بن صبرة بن عبد اللَّه بن المنتفق ابن عامر بن عقيل، مشهور بكنيته، عداده في أهل الطائف، روى عنه بن أخيه وكيع بن عدس، وعبد اللَّه بن حاجب، وعمرو بن أوس الثقفي، واختلف هل هو المعروف بلقيط بن صبرة -الصحابي المشهور- أو هو آخر؟ فذهب علي بن المديني ومسلم والبغوي والدارمي وابن حجر وغيرهم إلى أنه غير لقيط بن صبرة، وقال ابن معين هما واحد ومن قال: لقيط بن عامر نسبه لجده. انظر: تهذيب التهذيب 8/ 456، ميزان الاعتدال 3/ 106، الإصابة 5/ 686.
(3)
هو أبو جعفر، أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي، نزيل بغداد، حافظ، ثقة، له مسند في الحديث، كان يعد من أقران أحمد بن حنبل في العلم، ولد سنة (160) هـ، وتوفي سنة (244) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 483)، العبر في خبر من غبر (1/ 442)، تذكرة الحفاظ (2/ 481).
(4)
هو أبو خالد، يزيد بن هارون بن زاذان بن ثابت، أصله من بخارى، من حفاظ الحديث الثقات، حتى قال:"أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر"، ولد سنة (118) هـ، وتوفي سنة (206) هـ انظر: مشاهير علماء الأمصار 281، طبقات الحفاظ 1/ 52، العبر في خبر من غبر 1/ 350.
(5)
أخرجه أحمد (26/ 108)، الترمذي (رقم: 3109)، وابن ماجه (رقم: 182)، من طريق وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين رضي الله عنه، قال الترمذي:"حديث حسن"، وقال الذهبي في "العلو للعلي الغفار" (1/ 18):"إسناده حسن"، وضعفه الألباني في سلسلة الأحايث الضعيفة (11/ 500) لجهالة وكيع بن حدس.
قال المباركفوري: "كأنه قال: كان ولم يكن معه شيء، بل كل شيء كان عدمًا عمى لا موجودًا ولا مدركًا، والهواء الفراغ أيضًا العدم، كأنه قال: كان ولا شيء معه، ولا فوق، ولا تحت. انتهى.
قلت: إن صحت الرواية عمى -بالقصر- فلا إشكال في هذا الحديث، وهو حينئذٍ في معنى حديث "كان اللَّه ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء"" (1).
3 -
عن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن مسألة أن اللَّه تعالى واحد لا شريك له فالإجماع منعقد في الجملة على تكفير مخالفه، إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع.
وأما أنه تعالى لم يزل وحده لا شيء معه، فهذا مما تعقيه شيخ الإسلام ابن تيمية على ابن حزم من جهة أن هذا الحرف لم يأت في نصوص الشريعة، ولا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، فضلًا عن أن يدعى فيها الإجماع، فضلًا عن كفر المخالف.
(1) تحفة الأحوذي (8/ 421).
(2)
صحيح مسلم، كتاب: العلم، باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، (رقم: 2713).