الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
المبحث الأول: تعريف الحد لغة واصطلاحًا:
• أولًا: تعريف الحد لغةً: الحد مصدر من حَدَّ يَحُدُّ حدًّا، وجمعه: حدود، وأصل هذه المادة يطلق على أمرين:
قال ابن فارس: "الحاء والدال أصلان: الأوّل المنع، والثاني طَرَف الشيء"(1).
فهذان أصلان لهذه المادة، فالأول المنع، ومنه: حدود اللَّه: أي محارمه، كما قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (2)، ومنه الحديد سُمي بذلك به لأنه مَنِيع.
ومنه حدود اللَّه تعالى كحد السرقة وغيره، سُميت بذلك لأنها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب، وقيل: لأن اللَّه تعالى حددها بأمر مقدَّر، ومنع من الزيادة عليها (3).
والأصل الثانى: طرف الشيء ومنتهاه، ومنه: حد السكين: أي طرفه الحاد (4).
• ثانيًا: تعريف الحد اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في ضابط الحد، على النحو الآتي:
فعند الحنفية: قال الكاساني: "عقوبة، مقدرة، واجبة، حقًا للَّه تعالى"(5).
(1) مقاييس اللغة (2/ 1).
(2)
سورة البقرة، آية (187).
(3)
انظر: تهذيب اللغة (3/ 270)، الصحاح (3/ 24)، تاج العروس، مادة:(حدد)، (8/ 11).
(4)
انظر: لسان العرب، مادة:(حدد)، (3/ 140)، تاج العروس، مادة:(حدد)، (8/ 11).
(5)
بدائع الصنائع (7/ 33)، وانظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 164)، فتح القدير لابن الهمام (5/ 208)، مجمع الأنهر شرح متلقى الأبحر لابن دامان (1/ 584).
وعند المالكية: قال النفراوي (1): "ما وضع لمنع الجاني من عوده لمثل فعله، وزجر غيره"(2).
وعند الشافعية: قال الشربيني: "عقوبة، مقدرة، وجبت حقا للَّه تعالى كما في الزنا، أو لآدمي كما في القذف"(3).
وعند الحنابلة: قال البهوتي (4): "عقوبة، مقدرة، شرعًا، في معصية؛ لتمنع من الوقوع في مثلها"(5).
وبالنظر إلى التعاريف السابقة يتبيَّن أن ثمة تقارب في التعريف الاصطلاحي بين المذاهب، عدا المالكية فإن التعريف الذي ذكروه فيه قصور بيِّن (6).
والمختار في ضابط الحد اصطلاحًا أن يقال: هو عقوبة مقدرة شرعًا على
(1) هو أحمد بن غانم -أو غنيم- بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين، النفراوي -من بلدة نفرى بمصر-، الأزهري، فقيه مالكي، نشأ بنفرى وتفقه بها، من كتبه:"الفواكه الدواني"، و"شرح الآجرومية"، ولد سنة (1043) هـ، ومات في القاهرة سنة (1125) ص. انظر: معجم المطبوعات العربية والمعرَّبة ليوسف إلياس 1863، الأعلام 1/ 192، معجم المؤلفين 2/ 40.
(2)
الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني (2/ 178)، وانظر: حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب للعدوي (2/ 288).
(3)
مغني المحتاج (5/ 460)، وانظر: حاشية الجمل لزكريا الأنصاري (10/ 54)، تحفة الحبيب على شرح الخطيب للبجيرمي (4/ 167).
(4)
هو منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي، -نسبة إلى "بهوت" من قرى مصر، الحنبلي، شيخ الحنابلة بمصر في عصره، من كتبه:"الروض المربع شرح زاد المستقنع المختصر من المقنع"، و"كشاف القناع عن متن الاقناع"، و"دقائق أولي النهى لشرح المنتهى"، وغيرها، ولد سنة (1000 هـ)، وتوفي سنة (1051 هـ). انظر: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي 4/ 414، الأعلام 8/ 249.
(5)
حاشية الروض المربع (7/ 300)، وانظر: كشاف القناع (6/ 77)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للرحيباني (6/ 158).
(6)
وسيتبين وجه القصور عند بيان التعريف المختار مع بيان محترزاته.
معصية يُغلَّب فيها حق اللَّه (1).
• بيان محترزات التعريف:
عقوبة: جنس في التعريف، يشمل العقوبة المقدرة وغير المقدرة، فمن العقوبات المقدرة: حد الزنا، وشرب الخمر، والقصاص، والديات، والكفارات مثل كفارة اليمين والظهار وغيرها، أما العقوبات غير المقدرة: فهي العقوبات التعزيرية.
وخرج بهذا القيد الجزاءات الشرعية المقدرة التي لا تعد عقوبة مثل كفارة اليمين، وكفارة الظهار.
مقدرة: أنها لها مِقدار معيَّن، وخرج بهذا القيد العقوبات غير المقدرة، وهي التعزيرية، فإنه لا يسمى حدًا بالمعنى الاصطلاحي، وإن كان يُعد حدًا بالمعنى الشرعي العام.
شرعًا: المقصود أن أصل تقديرها من قبل الشارع إما بكتاب أو سنة أو إجماع، فخرج بذلك العقوبات التي يقدرها الإمام من باب السياسة الشرعية.
على معصية: قيد خرج به الجزاءات المقدرة شرعًا على غير معصية، مثل كفارة اليمين، والفدية في الحج، وكفارة القتل الخطأ، ونحوها.
يغلب فيها حق اللَّه: أي يجتمع في هذه العقوبات حق اللَّه وحق الآدمي لكن الأغلب هو حق اللَّه، فلا تسقط بالعفو، وخرج بهذا القيد العقوبات المقدرة على الجنايات كالقصاص والديات، إذ المغلب فيها هو حق الآدمي.
وهذه الحدود في الشرع هي سبعة، وتشمل المقاصد الضرورية الخمسة، وهي:
(1) انظر: بدائع الصنائع (7/ 33)، مغني المحتاج (4/ 155)، كشاف القناع (6/ 77)، التعريفات (113)، أنيس الفقهاء للقونوي (1/ 173).
1 -
حد الزنا: لحفظ النسل.
2 -
حد القذف: لحفظ العرض.
3 -
حد الخمر: لحفظ العقل.
4 -
حد السرقة: لحفظ المال.
5 -
حد الحرابة: لحفظ النفس، والمال، والعرض.
6 -
حد البغي: لحفظ الدين، والنفس، والمال، والعرض.
7 -
حد الردة: لحفظ الدين.