الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد قطاع الطريق
[36/ 2] المسألة السادسة والثلاثون: إن أخاف المحارب السبيل فقط، لم يكن عليه عقاب غير النفي
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف النفي:
النفي لغة: قال الزبيدي: "نفاه، ينفيه، نفيًا: نحَّاه وطرده وأبعده"(1).
النفي اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في المراد بالنفي في قوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2)، وبناءً عليه وقع الخلاف في المراد بنفي المحارب على أقوال:
القول الأول: أن يُحبس في السِّجن، في البلد الذي وقعت فيه الحرابة، وهو مذهب الحنفية (3)، وقول عند المالكية (4)، ورواية عن أحمد (5).
وقد استدل له السرخسي بقوله: "لأنه إما أن يكون المراد نفيه من جميع الأرض، وذلك لا يتحقق ما دام حيًا، أو المراد نفيه من بلدته إلى بلدة أخرى، وبه لا يحصل المقصود، وهو دفع أذيَّته عن الناس، أو يكون المراد نفيه عن دار الإسلام إلى دار الحرب، وفيه تعريض له على الردة، فعرفنا أن المراد نفيه من جميع الأرض إلى موضع حبسه، فإن المحبوس يسمى خارجًا من الدنيا"(6).
القول الثاني: أن يُنفى إلى بلد آخر ويُحبس فيها، وهو قول المالكية (7)،
(1) تاج العروس، مادة:(نفى)، (40/ 116).
(2)
سورة المائدة، آية (33).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 95)، تبيين الحقائق (3/ 236)، العناية شرح الهداية (5/ 423).
(4)
انظر: بداية المجتهد (2/ 374)، التاج والإكليل (8/ 429)، مواهب الجليل للحطاب (5/ 315).
(5)
انظر: الإنصاف (10/ 298).
(6)
المبسوط (9/ 135)، وانظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 579).
(7)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/ 99)، مواهب الجليل (6/ 315).
واختاره ابن جرير (1).
واستدلوا له بأن المفهوم من النفي إذا أُطلق هو الإخراج من البلد، لكنَّ هذا النفي لا يمكن أن يكون من جميع الأرض إلا بسجنه في الأرض التي نُفي إليها (2).
القول الثالث: هو أن يعزره الإمام بما يراه مناسبًا في ردعه، من سجن أو غيره، وهو مذهب الشافعية (3)، ورواية عن أحمد (4).
واستدلوا عليه بأن هؤلاء ارتكبوا معصية لا حد فيها ولا كفارة (5).
القول الرابع: هو أن يشرَّدوا فلا يُتركون يأوون في أي بلد، حتى تظهر منهم التوبة، وهو مذهب الحنابلة (6)، والظاهرية (7)، ومروي عن الحسن والزهري (8).
واستدلوا بظاهر الآية، فإن النفي هو الطرد والإبعاد، . ولا يتم نفيه من جميع الأرض إلا تشريده وكون نفيه إلى غير مكان معيَّن (9).
القول الخامس: هو أن يُطلب أبدًا في كل مكان، حتى يُؤخذ فيقام عليه الحد، فيكون دمه هدر، لا يُطالب قاتله بالدم، وهو قول الشافعي (10)، ورواية عن أحمد (11)، وري عن ابن عباس وأنس بن مالك، والحسن، وقتادة، والزهري، والضحاك (12).
(1) انظر: تفسير ابن جرير (10/ 274).
(2)
انظر: تفسير ابن جرير (10/ 274).
(3)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 179)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (8/ 5).
(4)
انظر: الإنصاف (10/ 298).
(5)
انظر: تحفة المحتاج شرح المنهاج (9/ 159)، نهاية المحتاج (8/ 5)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 201).
(6)
انظر: المغني (9/ 129)، الإنصاف (10/ 298).
(7)
المحلى (12/ 98).
(8)
انظر: المغني (9/ 129)
(9)
انظر: المغني (9/ 129).
(10)
الأم (6/ 157).
(11)
انظر: الإنصاف (10/ 298).
(12)
انظر: تفسير ابن جرير (10/ 268)، تفسير القرطبي (6/ 153)، تفسير ابن كثير (3/ 100).
القول السادس: المراد بالنفي هو إبعادهم من بلد الإسلام إلى بلد الشرك، وهو قول أنس بن مالك، وري عن الحسن وقتادة، والزهري (1).
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص، وكان المحارب لم يقتل، ولم يأخذ مالًا، وإنما أخاف الناس، فالواجب على الإمام نفيه، وليس له قتله، أو صلبه، أو قطع يده ورجله من خلاف.
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "وإن أخاف السبيل فقط لم يكن عليه غير النفي، وروي هذا أيضًا عن بن عباس، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وهو قول أبي مجالد (2)، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وهو قول أهل العلم"(3).
• مستند الإجماع: يدل على المسألة أن "أو" في آية الحرابة للتفصيل، فإن قَتل قُتل، وإن أخذ المال قُتل وصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن أخاف السبيل فقط لم يكن عليه غير النفي، فقوله:{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} هي لمن أخاف السبيل فقط، دون أن يقتل أو يأخذ المال (4).
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (5)، قال: "إذا حارب الرجل وقتل وأخذ المال فطعت يده ورجله
(1) انظر: بدائع الصنائع (7/ 95)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 99).
(2)
هو أبو مجالد، أحمد بن الحسين، الفقيه، المتكلم، المعتزلي، كان ضريرًا، ذكيًا، زاهدًا، ورعًا، صنف في خلق القرآن، وله مناظرة مع داود الظاهري بحضرة الموفق في خبر الواحد، ولما ناظر داود، فطعه، فقال داود: أصلح اللَّه الأمير، قد أهلك أبو مجالد الناس مات سنة (268 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 10/ 353، تاريخ بغداد 4/ 95، لسان الميزان 1/ 444.
(3)
الاستذكار (8/ 14).
(4)
الاستذكار (8/ 14).
(5)
سورة المائدة، آية (33).