الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا تقرر هذا، فتخريج المسألة على قولهم: أن فيها القطع بمجرد أخذ المتاع سواء أخرجه أو لا.
• دليل المخالف: أنه لا دليل صريح صحيح على اشتراط الحرز، أو اشتراط إخراج المتاع من الحرز، كما أنه ليس في لغة العرب ما يدل على أن الحرز معتبر في السرقة، بل نقل الإجماع على أن السرقة تطلق على الآخذ بخفية، وليس في لغة العرب أن يكون المال محرزًا، فقال:"أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته"(1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود خلف الظاهرية.
[62/ 1] المسألة الثانية والستون: من سرق ثوبا فشقه في الدار قبل أن يخرجه نصفين، ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم بعد الشق، قُطع
.
• المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أخذ مالًا من حرزه، فأتلف المال وهو في الحرز تلفًا فاحشًا، ثم أخرجه، لكن الحرز لم ينقص عن النصاب حتى بعد تلفه، فيجب القطع في هذه الصورة.
ومثاله: لو وجد ثوبًا في الحرز فشقه نصفين، ولم ينقص الثوب عن النصاب بعد شقه، ثم أخرجه من الحرز بعد الشق، فيجب القطع.
(1) المحلى (12/ 311).
ويتبين من هذا أن المال لو نقصت قيمته أو عينه عن النصاب بعد تلفه، أو كان التلف يسيرًا فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال السرخسي (483 هـ): "أما إذا شق الثوب في الحرز ثم أخرجه، وهو يساوي عشرة، فإن كان هذا العيب يمكن نقصانًا يسيرًا فعليه القطع بالاتفاق"(1).
وقال ابن الهمام (861 هـ): "من سرق ثوبًا فشقه في الدار قبل أن يخرجه من الحرز نصفين ثم أخرجه، وهو يساوي عشرة بعد الشق قُطع. . . وإن كان لا يساوي عشرة بعده لم يقطع بالاتفاق"(2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (3).
• وجه الدلالة: عموم الآية حيث أوجبت القطع بكل سرقة، والمال المسروق في مسألة الباب مما توفرت فيه شروط القطع حتى بعد إتلافه، وليس ثمة ما يمنع القطع، فبقي الحكم على ما هو عليه.
• المخالفون للإجماع: نقل جمع من الحنفية عن أبي يوسف عدم القطع في مسألة الباب.
وزاد بعض الحنفية فجعل القول بعدم القطع رواية عن أبي حنيفة (4).
• دليل المخالف: علل الحنفية لقول أبي يوسف بأن السارق له في المسروق سبب الملك، وهو الخرق الفاحش، فإنه يوجب القيمة، وتملك المضمون.
وقد بيَّن ذلك الكاساني فذكر دليل أبي يوسف بقوله: "أن السارق وجد منه
(1) المبسوط (9/ 164).
(2)
فتح القدير (5/ 417).
(3)
سورة المائدة، آية (38).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 70)، فتح القدير (5/ 417).
سبب ثبوت الملك قبل الإخراج، وهو الشق؛ لأن ذلك سبب لوجوب الضمان، ووجوب الضمان يوجب ملك المضمون من وقت وجود السبب على أصل أصحابنا، وذلك يمنع وجوب القطع: ولهذا لم يقطع إذا كان المسروق شاة فذبحها، ثم أخرجها كذا هذا" (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن أبي يوسف، ورواية عن أبي حنيفة.
(1) بدائع الصنائع (7/ 70 - 71)، وانظر: الهداية شرح البداية للمرغيناني (2/ 131).
ويتبيَّن من هذا التعليل أنه لو كان القطع غير فاحش، فإنه يُقطع، لأنه لا ضمان على السارق، ولا يتملك ما سرقه بالقطع اليسير، وإلى هذا أشار عبد الرحمن زاده الحنفي في كتابه "مجمع الأنهر وملتقى الأبحر" (2/ 399) حيث قال:"ولو سرق ثوبًا فشقه في الدار وهو يساوي بعد الشق نصابا ثم أخرجه قُطع ما لم يكن إتلافًا. وعن أبي يوسف لا تقطع في الخرق الفاحش وفي اليسير تقطع اتفاقًا؛ لعدم وجوب الضمان".