الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
عن عبيد بن عمير (1) قال: استضاف رجل ناسًا من هذيل، فأرسلوا جارية لهم تحتطب، فأعجبت الضيف، فتبعها، فأرادها على نفسها، فامتنهت، فعاركها ساعة، فانفلتت منه انفلاتة، فرمته بحجر، ففضَّت كبده، فمات، ثم جاءت إلى أهلها فأخبرتهم، فذهب أهلها إلى عمر، فأخبروه، فأرسل عمر فوجد آثارهما، فقال عمر:"قتيل اللَّه لا يؤدى أبدًا"(2).
• وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه أهدر دم من صال على العرض.
3 -
من النظر: لأن العرض لا يباح بحال، فلا يجوز بذله للصائل بأي حال من الأحوال (3).
• المخالفون للإجماع: ثمة قول في مذهب الإمام أحمد بأن من صال على حريمه لا يجب عليه دفعه، حيث قال المرداوي:"يلزمه الدفع عن حرمته على الصحيح من المذهب، نص عليه. . . وقيل: لا يلزمه"(4).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الحنابلة في المسألة.
[30/ 3] المسألة الثلاثون: مشروعية مدافعة المحاربين على المال
.
• المراد بالمسألة: لو قطع شخص أو جماعة طريقًا على غيرهم، فلمن اعتدي عليه دفع قاطع الطريق ولو بالقتل، لكن يدفعهم بالأسهل فإن لم يندفع
(1) هو أبو عاصم، عبيد بن عمير بن قتادة اللّيثي، المكّيّ، ولد على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قاله مسلم، وعدّه غيره في كبار التّابعين، وكان قاص أهل مكّة، مجمع على ثقته، مات قبل ابن عمر رضي الله عنهما. انظر: التاريخ الكبير 5/ 455، التعديل والتجريح 2/ 925، تهذيب التهذيب 7/ 71.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 407)، وعبد الرزاق في "المصنف"(9/ 435)، وابن حزم في "المحلى"(7/ 101)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 337)، وصححه ابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 257).
(3)
الإنصاف (10/ 304 - 305).
(4)
الإنصاف (10/ 304 - 305).
المحارب إلا بالقتل فيقتله.
وينبه إلى أن الكلام على المسألة هو فيمن تحقق عليه إطلاق لفظ قاطع الطريق، فأما إذا لم يتحقق عليه لفظ قاطع الطريق فالمسألة حينئذ لا ترد في مسألة الباب، ومن ذلك ما لو اعتدي عليه نهارًا في داخل المدينة فعند الحنفية وجماعة أن هذا لا يعد قاطعًا للطريق، وعليه فلو قتله في هذه الصورة فذلك غير مراد في مسألة الباب.
كما ينبه إلى أن القاطع إذا أمكن دفعه بغير القتل، لكن المعتدى عليه قتله، فذلك غير مراد في مسألة الباب، وإنما المراد أن الأَولى دفع الصائل بالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل فله أن يقتله.
• من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "السنة والإجماع متفقين على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قُتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطًا من دينار"(1).
ونص في موضع آخر على المحارب فقال: "القطاع إذا طلبوا مال المعصوم لم يجب عليه أن يعطيهم شيئًا باتفاق الأئمة، بل يدفعهم بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم، فإن قُتل كان شهيدًا، وإن قَتل واحدًا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرًا"(2).
وقال ابن حجر (852 هـ): "حكى ابن المنذر عن الشافعي قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلِّمه أو يستغيث، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك، ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة، لكن ليس له عمد قتله، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل
(1) الفتاوى الكبرى (3/ 544).
(2)
الفتاوى الكبرى (3/ 255 - 256)، وانظر: دقائق التفسير (2/ 40).
العلم أن للرجل أن يدفع عما ذُكر إذا أُريد ظلمًا بغير تفصيل" (1).
ونقله أيضًا عن ابن المنذر: الشوكاني (2)، والصنعاني (3)، والمباركفوري (4).
• مستند الإجماع:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار)(5).
2 -
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد)(6).
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)(7).
• وجه الدلالة من الحديثين: أن المحارب صائل، وقد دل الحديثين أن للإنسان دفع الصائل ولو بمقاتلته، وأنه إن قُتل فهو شهيد.
• المخالفون للإجماع: نقل المرداوي في الإنصاف وجهًا أن من قتل الصائل دفاعًا عن ماله فإنه يقتل به (8).
(1) فتح الباري (5/ 124)، وقال في الموسوعة الكويتية (28/ 109):"أجمع الفقهاء على أنه يجب على الرجل دفع الصائل على بضع أهله أو غير أهله".
(2)
نيل الأوطار (5/ 390).
(3)
سبل السلام (2/ 379).
(4)
تحفة الأحوذي (4/ 565).
(5)
مسلم (رقم: 140).
(6)
البخاري (رقم: 2348)، مسلم (رقم: 142).
(7)
أخرجه أحمد (3/ 190)، وأبو داود (رقم: 4772)، والترمذي (رقم: 1421)، والنسائي (رقم: 4095).
(8)
الإنصاف (10/ 304).