الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[91/ 4] المسألة الحادية والتسعون: القائل بالحلول كافر
.
• المراد بالمسألة: الحلولية طائفة تزعم أن اللَّه تعالى حال بذاته في كل مكان، وفي كل شيء، ولا ينزه عنه مكان، وهم أقسام، بينهم شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "الحلولية والاتحادية، وهم صنفان: قوم يخصونه بالحلول أو الاتحاد في بعض الأشياء، كما يقوله النصارى في المسيح عليه السلام، والغالية في علي رضي الله عنه ونحوه.
وقوم في أنواع من المشايخ، وقوم في بعض الملوك، وقوم في بعض الصور الجميلة، إلى غير ذلك من الأقوال التي هي شر من مقالة النصارى.
وصنف يعممون فيقولون بحلوله أو اتحاده في جميع الموجودات حتى الكلاب والخنازير والنجاسات وغيرها" (1).
وقال ابن القيم: "وهذه الفرقة طائفتان: إحداهما تزعم أنه سبحانه يحل في الصورة الجميلة المستحسنة، والثانية تزعم أنه سبحانه يحل في الكمل من الناس وهم الذين تجردت نفوسهم عن الشهوات واتصفوا بالفضائل وتنزهوا عن الرذائل"(2).
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "لا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول اللَّه في البشر، واتحاده به، وأن البشر يكون إلهًا وهذا من الآلهة، فهو كافر مباح الدم، وعلى هذا قُتل الحلاج، ومن قال: إن اللَّه نطق على لسان الحلاج وأن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام اللَّه، وكان اللَّه هو القائل على لسانه: أنا اللَّه، فهو كافر باتفاق المسلمين"(3).
وقال أيضًا في القائلين بوحدة الوجود: "قد علم المسلمون، واليهود،
(1) مجموع الفتاوى (3/ 392 - 393)، وانظر: مقالات الإسلاميين (13)، الملل والنحل (1/ 172).
(2)
مدارج السالكين (3/ 445).
(3)
مجموع الفتاوى (2/ 481).
والنصارى، بالإضطرار من دين المرسلين، أن من قال عن أحد من البشر: أنه جزء من اللَّه، فإنه كافر في جميع الملل" (1). وقال ابن جزي (741):"لا خلاف في تكفير من نفى الربوبية أو الوحدانية. . . أو قال بالحلول"(2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
الأدلة المتواتر التي تثبت علو اللَّه تعالى، وهي متوافرة من الكتاب والسنة، ومنها:
أ- قول اللَّه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (3).
ب- قول اللَّه تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (4).
ج- قول اللَّه تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (5).
د- قول اللَّه تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} (6).
هـ- في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه (7) أنه كانت له جارية وأنه لطمها وأراد أن يُعتقها كفارة لذلك فقال صلى الله عليه وسلم: (ائتني بها) فأتاه بها، فقال لها صلى الله عليه وسلم:(أين اللَّه؟ ) قالت: في السماء، قال:(من أنا؟ ) قالت: أنت رسول اللَّه، قال:(أعتقها فإنها مؤمنة)(8).
والأدلة في هذا كثيرة جدًا من الكتاب، والسنة، والعقل، الفطرة، وقد
(1) مجموع الفتاوى (2/ 127).
(2)
القوانين الفقهية (396).
(3)
سورة طه، آية (5).
(4)
سورة فاطر، آية (10).
(5)
سورة الملك، آية (16).
(6)
سورة النحل، آية (50).
(7)
هو معاوية بن الحكم السلمي، سكن المدينة، ومن قال بأن اسمه: عمر بن الحكم فقد وهِم، روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، لم تُذكر له سنة وفاة. انظر: الاستيعاب (3/ 1414)، معرفة الصحابة (5/ 2500)، الإصابة (6/ 148).
(8)
صحيح مسلم (رقم: 537).
أجمع السلف رضي اللَّه تعالى عنهم على إثبات هذه الصفة، بل ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "درء التعارض" هذا الإجماع عن بضعة عشر إمامًا من كبار أئمة السنة والجماعة (1).
فهذه الصفة متواترة في القرآن والسنة، بل إن بعض أصحاب الإمام الشافعي ذكر أن الدلائل القرآنية والسنة النبوية على علو الرب سبحانه وتعالى تبلغ ألف دليل، وقال بعض أصحاب الشافعي أيضًا بأنها تبلغ ثلاثمائة دليل" (2)، وعن بعض السلف: "أن في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفًا" (3)، وقال ابن القيم: "ولو شئنا لأتينا على هذه المسألة بألف دليل" (4).
• وجه الدلالة من الآيات السابقة: أن القول بالحلول وأن اللَّه تعالى حال في كل مكان تكذيب لما تواتر من النصوص في إثبات العلو.
2 -
قول اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (5).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حكى كفر النصارى القائلين بأن المسيح هو اللَّه تعالى، فالقائلين بأنه تعالى حل في جميع الأشخاص أعظم كفرًا من مقالة النصارى.
3 -
إجماع أهل العلم على أن اللَّه تعالى بائن من مخلوقاته، قال ابن بطة: "أجمع المسلمون من الصحابة، والتابعين، وجميع أهل العلم من المؤمنين، أن اللَّه تبارك وتعالى على عرشه، فوق سماواته، بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع
(1) انظر: درء التعارض (6/ 259) وما بعدها.
(2)
حكاه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5/ 15)، وانظر:(5/ 121)، (5/ 226)، منهاج السنة (2/ 645)، بيان تلبيس الجهمية (1/ 519).
(3)
الفتاوى (5/ 15)، العقود الدرية (1/ 96).
(4)
اجتماع الجيوش الأسلامية (ص 331)، وانظر: أعلام الموقعين (2/ 303)، اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 156) وما بعدها.
(5)
سورة المائدة، آية (17).