الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أما النظر: فلأن الباغي معتدي، فيضمن ما أتلفه، بناء على الأصل، ولا يوجد دليل صحيح في إسقاط الضمان عليه، ثم إن الأولى في حقه التغليظ لا التخفيف (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف الشافعي في قول، وأَحمد في رواية، وبعض الظاهرية منهم ابن حزم.
[20/ 3] المسألة العشرون: مشروعية قتال الخوارج
.
• المراد بالمسألة: المراد بالخوارج هم من خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكفروه، بل وكفروا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، واستحلوا دماءهم، بناء على أصلهم الفاسد بكفر مرتكب الكبيرة (2).
ويدخل في هذا الحكم كل من سار على نهجهم، واعتقد معتقدهم، وخرج على الإمام، فقتاله واجب.
ويتبين من هذا أن البغاة غير الخوارج، وهم من خرجوا على الإمام بتأويل سائغ، ولم يعتقدوا كفر الإمام وأتباعه، فهؤلاء غير مرادين في مسألة الباب.
وكذا الخوارج غير الخارجين على الإمام، وإنما اعتقدوا معتقدهم، فغير مرادين في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: المسألة حكاها جمع من الأئمة، لكن منهم من ذكرها إجماعًا للصحابة، ومنهم من ذكرها إجماعًا عامًا، ومنهم من جمع وحكاها عن الصحابة ومن بعدهم.
فممن نقلها عن الصحابة: قال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "أجمعت الصحابة رضي الله عنهم، على قتال البغاة؛ فإن أبا بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة، وعلي رضي الله عنه قاتل أهل الجمل، وصفين،
(1) انظر: بدائع الصنائع (7/ 141).
(2)
وقد سبق التعريف بالخوارج.
وأهل النهروان" (1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة؛ فإن أبا بكر رضي اللَّه أنه قاتل ما نعي الزكاة، وعلي رضي الله عنه قاتل أهل الجمل، وأهل صفين، وأهل النهروان" (2).
وإن كان هذا الحرف في البغاة لكن الخوارج داخلين ضمنًا في ذلك، فكل خارجي باغ، وليس العكس، ومعلوم أن أهل النهروان كانوا من بغاة الخوارج.
• وأما إجماع العلماء عامة:
فقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام وخالفوا رأى الجماعة وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم والاعتذار إليهم"، نقله عنه النووي (3)، والعراقي (4)، وابن مفلح (5). وقال النووي (676 هـ):"قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا) (6) هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج والبغاة، وهو إجماع العلماء"(7).
• وأما من جمع بين إجماع الصحابة ومن بعدهم:
فقال شيخ الإمعلام ابن تيمية (728 هـ): "الصحابة والأئمة متفقين على قتال الخوارج المارقين"(8).
ويمكن أن يضاف إلى هذه النقولات ما سبق في النقل على جواز قتال البغاة، فإن كل من خرج على الإمام ومعه معتقد الخوارج فهو خارجي باغ، وليس كل باغ خارجي.
(1) المغني (9/ 3).
(2)
الشرح الكبير (10/ 49).
(3)
شرح النووي (7/ 170).
(4)
طرح التثريب (7/ 218).
(5)
الفروع (6/ 154).
(6)
مسلم (رقم: 1066).
(7)
شرح النووى (7/ 170).
(8)
مجموع الفتاوى (3/ 454)، وانظر: نفس المصدر (3/ 382)، (3/ 544)، (3/ 547).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب صريح أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج، والتي رويت من عشرة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما جاء في قصة قسم النبي صلى الله عليه وسلم لذهب من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه. قال صلى الله عليه وسلم: (ويلك، أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)؟ !
ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد رضي الله عنه، -وفي وجه في الصحيح: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من فصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام:(أني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، ثم نظر إليه وهو مقف فقال:(إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)(1)، وفي رواية:(قتل ثمود)(2).
وفي رواية: (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لاتكلوا عن العمل)(3).
وفي رواية: (أينما لقيتوهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة)(4).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل، إجماع بين أهل العلم.
(1) البخاراي (رقم: 6995)، مسلم (رقم 1064).
(2)
البخاري (رقم: 4099)، مسلم (2064) عن أبي سعيد رضي الله عنه.
(3)
مسلم (رقم: 1066).
(4)
البخاري (رقم: 3415)، مسلم (رقم: 1066) عن علي رضي الله عنه.