الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعذَّر الصلح أوجب سبحانه قتالهم، ودفعهم بالأسهل، حتى ترجع عن بغيها، ولم يوجب عليهم حدًا، فدل على أن لكل منهم حكم يختلف عن الآخر.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[17/ 2] المسألة السابعة عشرة: حد الحرابة يقام على المحاربين من أهل الإسلام
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة مسلمين، فإن حد الحرابة يقام عليهم.
وليس المراد تخصيص حد الحرابة بالمسلمين دون غيرهم، وإنما المراد أن المسلمين داخلون في الآية الموجبة لحد الحرابة (1).
• من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ) بعد ذكره لآية الحرابة: "لا خلاف بين السلف والخلف من فقهاء الأمصار أن هذا الحكم غير مخصوص بأهل الردة، وأنه فيمن قطع الطريق وإن كان من أهل الملة، وحكي عن بعض المتأخرين ممن لا يعتد به أن ذلك مخصوص بالمرتدين، وهو قول ساقط مردود مخالف للآية، وإجماع السلف والخلف"(2).
وقال ابن عطية (542 هـ)(3): "ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية
(1) انظر المسألة الخامسة والثلاثون تحت عنوان: "المشرك الكافر إذا حارب اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم وسعى في الأرض فسادًا فإن حد الحرابة يطبق عليه"، حيث ذُكر فيها الإجماع على إقامة حد الحرابة على غير المسلمين.
(2)
أحكام القرآن (2/ 571).
(3)
هو أبو محمد، عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي، الغرناطي، الأندلسي، مفسر، فقيه، شاعر، مجاهد، من تصانيفه:"المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، ولد سنة (481 هـ)، وتوفي سنة (542 هـ). انظر: فوات الوفيات 2/ 256، طبقات المفسرين للسيوطي 1/ 50، معجم المؤلفين 5/ 93.
مترتب في المحاربين من أهل الإسلام" (1). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود" (2)، ونقله عنه الشوكاني (3).
وقال أبو حيان الأندلسي (745 هـ)(4): "لا خلاف بين أهل العلم أنّ حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام"(5).
• مستند الإجماع: يدل على المسألة قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أسقط على المحاربين الحد إن تابوا من حرابتهم قبل القدرة عليهم، والتوبة إنما تكون للمؤمنين دون أهل الكفر (7).
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن آية الحرابة نزلت في أهل الكتاب، حيث كانوا أهل مودَاعةٍ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض، فعرَّف اللَّه نبيَّه صلى الله عليه وسلم الحكمَ فيهم، فتكون آية الحرابة
(1) المحرر الوجيز (2/ 214).
(2)
تفسير القرطبي (6/ 150).
(3)
انظر: فتح القدير (2/ 51).
(4)
هو أبو حيان، محمد بن يوسف بن على بن يوسف ابن حيان الغرناطي، الأندلسي، الشافعية، برع في التفسير، والحديث، والعربية، واللغة، من كتبه:"البحر المحيط"، و"منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك"، ولد سنة (654 هـ)، ومات سنة (745 هـ). انظر: البلغة في تراجم أئمة النحو للفيروزآبادي (58)، طبقات الشافعية الكبرى (9/ 275)، معجم المحدثين للذهبي (134).
(5)
تفسير البحر المحيط (3/ 377).
(6)
سورة المائدة، آية (33 - 34).
(7)
أحكام القرآن (2/ 571).
مقصورة على ناقضي العهد من أهل الكتاب، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما.
وذهب آخرون: إلى أنها نزلت في العرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام، كما في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه:"أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا"(1)، فتكون الحرابة خاصة بالمرتدين.
وهذا قول أنس بن مالك رضي الله عنه، وقتادة.
وذهب فريق ثالث: إلى أن آية الحرابة نزلت في المحاربين من أهل الحرب، فبيَّن اللَّه حكمهم عند الظفر بهم بما ذكره في هذه الآية من عقوبتهم، فيكون حكمها مقصورًا على أهل الحرب.
وهو قول الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن علية (2).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها (3).
(1) البخاري (رقم: 231)، ومسلم (رقم: 1671)، واللفظ له.
(2)
هو أبو بشر، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، المعروف بابن علية، نسبة إلى أمه، كوفي الأصل، حافظ، فقيه، ثقة، ثبت، سمع أيوب السختياني، ومحمد بن المنكدر وغيرهما، ولي المظالم ببغداد في آخر خلافة الرشيد، له مصنف في الفقه اسمه "شبيهة بالجدل"، ولد سنة (110 هـ)، وتوفي سنة (193 هـ). انظر: تاريخ بغداد 6/ 20، سير أعلام النبلاء 9/ 107، طبقات الحنابلة 1/ 99.
(3)
وقد ذكر ابن بطال في شرح صحيح البخاري (8/ 416 - 417) خلاف أهل العلم في آية الحرابة هل نزلت في المسلمين أو في المشركين، ثم ذكر أنه لا منافاة بين القولين؛ لأن القائلين بأنها نزلت في المرتدين لا يخصون الحكم بهم، بل يجعلون الحكم عامًا حتى في المسلمين؛ لأن =