الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إذا سُرق من الرجل متاع، أو ضاع له متاع، فوجده بيد رجل بعينه، فهو أحق به، وبرجع المشترى على البائع بالثمن)(1).
3 -
من النظر: يمكن أن يستدل له بأن المال المسروق لم يخرج عن ملك صاحبه بالسرقة، فوجب رده إليه.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[7/ 1] المسألة السابعة: السارق ضامن للمال إن سقط القطع، وبعد القطع يرد الباقي
.
• المراد بالمسألة: لو سرق شخص من آخر عينًا، ثم تلفت العين، أو بعضها فعلى حالين: الأولى: إن لم تقطع يد السارق لمانع ما، كان رجع السارق عن إقراره، أو كان المال لم يبلغ نصابًا، أو لم يخرج من حرز، أو ما أشبه ذلك مما يمنع القطع، فإن السارق يضمن ما سرقه، سواء ما تلف منه وما لم يتلف.
الثانية: إن قطعت يد السارق، وكان بقي من العين التي قطع بسببها شيء فإنه يجب عليه رد ما بقي بعينه.
ويتبين مما سبق أنه لو تلفت العين، أو تلف بعضها، ثم قطعت يد السارق بسبب العين المسروقة، فضمان ما تلف مسألة خلاف بين أهل العلم، وليست هي من مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: أما الحال الأولى: فقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء على أن كل سرقة لا قطع فيها فالغرم واجب على من سرقها موسرًا كان أو معسرًا"(2). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن الواجب فيه
(1) أخرجه أحمد (33/ 323)، وفي سنده الحجاج بن أرطأة، وهو مدلس، وقد عنعن في هذه الرواية، كما أنه من رواية الحسن عن سمرة، وقد سبق الكلام على هذه الرواية قريبًا.
(2)
الاستذكار (7/ 554).
القطع من حيث هي جناية، والغرم إذا لم يجب القطع" (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (676 هـ): "لو سرق سرقة ثم سقط عنه القطع لم يسقط عنه الغرم بإجماع المسلمين"(2). وقال المطيعي (1404 هـ): "اتفقوا على أنه إذا ثبتت أركان الجريمة فقد وجب القطع، والغرم إذا لم يجب القطع"(3).
وأما الحال الثانية: فقال ابن عبد البر (463 هـ): "قد أجمعوا أنه لو وجده ربه بيد السارق أخذه، وإن قطعت يده به، وكذلك إذا استهلكه يغرمه في حال اليسر والعسر؛ كسائر المستهلكات من أموال المسلمين"(4).
وقال ابن المرتضى (840 هـ)(5): "السارق ضامن قبل القطع إجماعًا، وبعده يرد الباقي إجماعًا"(6) وقال ابن الهمام (861 هـ): "لا خلاف إن كان -أي المسروق- باقيًا أنه يرد على المالك. . . وهذا كله بعد القطع"(7).
• مستند الإجماع: التحقيق أن المسألة على وجهين:
فالوجه الأول: أن من سرق وأتلف المسروق أو تلف، ولم تقطع يده فإن السارق يضمن ما سرق.
(1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 371).
(2)
الصارم المسلول لابن تيمية (1/ 493).
(3)
انظر: المجموع (20/ 102).
(4)
الاستذكار (7/ 555).
(5)
هو أحمد بن يحيى بن المرتضى بن المفضل ابن منصور الحسني، عالم بالدين والأدب، من أئمة الزيدية باليمن، وبويع بالإمامة بعد موت الناصر في صنعاء، وقد بويع في اليوم نفسه للمنصور علي ابن صلاح الدين، فنشبت فتنة انتهت بأسر صاحب الترجمة وحبسه في قصر صنعاء، وخرج من سجنه خلسة، من كتبه:"البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"، ولد سنة (775 هـ)، ومات سنة (840 هـ). انظر: البدر الطالع بمحاسن القرن السابع 155، الأعلام 1/ 269.
(6)
البحر الزخار لابن المرتضى الزيدي (6/ 184)، وقال في موضع آخر (6/ 188) عن البعض قوله:"وإذا سقط الحد بالرجوع عن الإقرار لم يسقط المال إجماعًا"، ثم تعقب الإجماع بأن ثمة مخالفًا لبعض الشافعية.
(7)
فتح القدير (5/ 413).
والوجه الثاني: إن قطعت اليد وبقي شيء من العين، فهنا عليه رد ما بقي.
ودليلهما من الأثر والنظر ما يلي:
1 -
ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه (1) من رواية الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على اليد ما أخذت حتى تودي)(2).
2 -
أن ملك المسروق لا يزول عن صاحبه الأصلي بالسرقة، فيجب إرجاع المسروق إليه لأنه المالك له.
• المخالفون للإجماع: خالف بعض الشافعية في قول لهم في المسألة فقالوا: السرقة إن ثبتت بإقرار السارق، ثم رجع عن إقراره فإن الحد يسقط مع المال المسروق الذي أقر به (3).
النتيجة:
المسألة على شقين: الأولى: من قُطعت يده وبقي عنده شيء من
(1) هو أبو عبد اللَّه محمد بن يزيد الربعي القزويني المعروف بابن ماجه، الحافظ، المحدث، أحد الأئمة في علم الحديث، وهو من أهل قزوين، ورحل في طلب الحديث، وصنف كتابه "سنن ابن ماجه، تفسير القرآن، تاريح قزوين، ولد سنة (209) هـ، وتوفي بقزوين سنة (273) هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 189، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي 5/ 90، الأعلام 8/ 15.
(2)
أخرجه أحمد (33/ 277)، والترمذي (رقم: 1266)، وقال "حديث حسن صحيح"، وأبو داود (رقم: 3561)، وابن ماجه (رقم: 2400)، وقال الحاكم في "المستدرك" (2/ 55):"هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وتعقبه تقي الدين ابن مطيع في "الإلمام بأحاديث الأحكام" (1/ 225) فقال:"ذكره الحاكم وقال صحيح الإسناد على شرط البخاري، وليس كما قال، وإنما هو على شرط الترمذي".
وقال الزيلعي في نصب الراية: "وقال ابن طاهر في كلامه على أحاديث الشهاب: إسناده حسن متصل، وإنما لم يخرجاه في "الصحيح" لما ذكر من أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة". بينما ضعفه جماعة من أهل العلم كابن التركماني كما في "الجوهر النقي"(6/ 90)؛ والألباني كما في "ضعيف الجامع الصغير"(547)، لأنه من رواية الحسن عن سمرة رضي الله عنه، وقد سبق الكلام على هذه الرواية قريبًا.
(3)
انظر: نهاية المحتاج (7/ 463).