الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
• وجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى أمر بطاعة ولي الأمر، وقرنه بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الطاعة مناصرته على من بغى عليه.
2 -
عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)(2).
3 -
عن عرفجة رضي الله عنه (3) قال: دمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ستكون هنَات وهنَات (4)، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان) (5).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[4/ 3] المسألة الرابعة: لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه على أهل البغي والتأويل
.
• المراد بالمسألة: لو خرج جماعة على الإمام فأتلف الإمام أو أعوانه على أهل البغي من النفس والمال، لأجل دفع شرهم، فلا ضمان على ما أُتلف حال حرب البغاة.
(1) سورة النساء، آية (59).
(2)
صحيح مسلم (رقم: 1844).
(3)
هو عرفجة الأسلمي، اختلف في اسم أبيه اختلافًا كثيرًا، فقيل: صريح، وقيل: ضريح، وقيل شريح، وقيل: سريح، قيل: ذريح؛ وقيل: شراحيل، كما اختلف في نسبته فقيل: الأسلمي، وقيل: الكندي، وقيل: الأشجعي، صحابي لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث. انظر: الاستيعاب 3/ 1063، تكملة الإكمال 3/ 628، تهذيب التهذيب 7/ 160.
(4)
أي فِتن، شرور، وفساد، وأمور محدثات، واحدتها هَنْتٌ، وقيل: هَنَةٌ، قال ابن فارس في مقاييس اللغة (6/ 50):"في فلانٍ هَنَاتٌ، أي خَصَلات شرّ، ولا يقال في الخَير". انظر: لسان العرب، مادة (هنا)، شرح النووي (12/ 241).
(5)
صحيح مسلم (رقم: 1852).
ويتبين مما سبق أن الإتلاف لو لم يكن أثناء الحرب، بل كان قبل خروجهم، أو بعده، أو كان لأجل الانتقام لا لدفع شرهم، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن أبي شيبة (235 هـ): "عن الزهري قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمع رأيهم على أنهم لا يقاد ولا يودي ما أصيب على تأويل القرآن، إلا مال يوجد بعينه""(1).
(1) مصنف ابن أبي شيبة (6/ 439)، واحتج به جماعة من المحققين منهم الإمام أحمد كما نقله أبو البركات بن تيمية في كتابه "المنتقى"(7/ 243)، واحتج به أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (8/ 334)، وابن القيم كما في إعلام الموقعين (4/ 89)، والصواعق المرسلة (1/ 184). وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (8/ 175) عن الزهري بلفظ: "كتب إليه سليمان بن هشام يسأله عن امرأة فارقت زوجها وضهدت على قومها بالشرك ولحقت بالحرورية، فتزوجت فيهم ثم جاءت تائبة.
قال: فكتب إليه الزهري وأنا شاهد: أما بعد، فإن الفتنة الأولى ثارت وفى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرًا، فرأوا أن يهدم أمر الفتنة، لا يقام فيها حد على أحد في فرج استحله بتأويل القرآن، ولا قصاص في دم استحله بتأويل القرآن، ولا مال استحله بتأويل القرآن، إلا أن يوجد شيء بعينه، وإني أرى أن تردها إلى زوجها وتحد من قذفها"، قال الألباني في إرواء الغليل (8/ 116): "بسند صحيح"، بينما ضعف ابن حزم هذا الأثر في المحلى (11/ 345) فقال: "هذا ليس بشيء لوجهين:
أحدهما: أنه منقطع لأن الزهري رحمه الله لم يدرك تلك الفتنة ولا ولد إلا بعدها ببضع عشرة سنة.
والثاني: أنه لو صح كما قال لما كان هذا إلا رأيًا من بعض الصحابة لا نصا ولا إجماعا منهم، ولا حجة في رأي بعضهم دون بعض، وإنما افترض اللَّه تعالى علينا أهل الإسلام اتباع القرآن، وما صح عن النبي عليه السلام، أو ما أجمعت عليه الأمة، ولم يأمر اللَّه تعالى قط باتباع ما أجمع عليه بعض أولي الأمر منا، وإذا وقعت تلك الفتنة فبلا شك أن الماضين بالموت من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أكثر من الباقين، ولقد كان أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، وعدوا، إذ مات عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فما وجد منهم في الحياة إلا نحو مائة واحدة فقط، فبطل التعلق بما رواه الزهري لو صح، فكيف وهو لا يصح أصلًا".
والظاهر أن الحديث صحيح، أما تعليل بن حزم بأن الزهري لم يدرك الفتنة فإنه لا يلزم من كلام الزهري أن يكون حاضرًا للفتنة، ولذا احتج به من ذكرتُ من أهل العلم.
وقال السرخسي (483 هـ): "فأما سقوط الضمان فهو حكم ثبت باتفاق الصحابة بخلاف القياس"(1). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على ما يتلفه أهل العدل على أهل البغي فلا ضمان فيه"(2).
وقال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في أن العادل إذا أصاب من أهل البغي من دم أو جراحة أو مال استهلكه، إنه لا ضمان عليه"(3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه على أهل البغي بالتأويل باتفاق العلماء"(4).
وقال ابن القيم (751 هـ): "أجمع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أن كل مال أو دم أصيب بتأويل القرآن فهو هدر في قتالهم في الفتنة"(5).
وقال ابن الهمام (861 هـ): "العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن عندنا ولا يأثم؛ لأنه مأمور بقتالهم دفعًا لشرهم، وهذا بالاتفاق"(6).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
أنه فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، كما حكاه الزهري عنهم (7).
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي بعد ذكره لأثر الزهري: "وهذا إجماع منهم مقطوع به"(8).
وقال الشوكاني: "ظاهره وقوع الإجماع منهم -أي الصحابة- على عدم جواز الاقتصاص ممن وقع منه القتل لغيره في الفتنة، سواء كان باغيًا أو مبغيًا عليه"(9).
2 -
من النظر: أن أهل العدل فعلوا ما أمروا به شرعًا من طاعة ولى الأمر
(1) المبسوط (30/ 142).
(2)
الإفصاح (2/ 190).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 141).
(4)
مجموع الفتاوى (15/ 171).
(5)
إعلام الموقعين (4/ 89).
(6)
فتح القدير (6/ 106).
(7)
انظر: سنن البيهقي الكبرى (8/ 175).
(8)
المبدع شرح المقنع (9/ 145).
(9)
سبل السلام (7/ 201).
وقتال أهل البغي، فأتلفوا ما أذن لهم الشارع بإتلافه، والقاعدة المقررة أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون (1).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
ولا يشكل على هذا ما ذكره بعض الحنفية من أن العادل يضمن ما أتلفه على الباغي، لأنهم يرون الضمان في صورة ليست من مسألة الباب، كما بينه الزيلعي حيث قال:"العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم -إلى أن قال- وفي "المحيط" (2): العادل إذا أتلف مال الباغي يؤخذ بالضمان، لأن مال الباغي معصوم في حقنا، وأمكن إلزام الضمان؛ فكان في إيجابه فائدة، بخلاف ما إذا أتلفوا مال العادل.
فعلى هذا ما ذكره في الهداية (3) والبدائع (4) من عدم وجوب الضمان، محمول على ما إذا أتلفه حالة القتال، بسبب القتال؛ إذ لا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شيء من مالهم، كالخيل والقماش الذي عليهم، وعند إرسال الماء والنار عليهم، وأما إذا أتلفوها في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان؛ لأن مالهم معصوم، واعتقاد الحرمة موجود، فلا مانع من وجوب الضمان والإثم" (5).
(1) انظر: المنثور في القواعد الفقهية (3/ 163)، الأشباه والنظائر للسيوطي (141)، درر الحكام (1/ 406).
(2)
المراد كتاب: "المحيط البرهاني"، محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري المرغينانى، ويُلقب ببرهان الدين مازه، وهو كتاب يُعد موسوعة في فروع فقه المذهب الحنفي.
(3)
المراد كتاب: "الهداية"، لأبي الحسن، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني، الرشداني، المرغيناني، برهان الدين، الحنفي، وهو كتاب في فقه الحنفية.
(4)
المراد كتاب: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"، لأبي بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، وهو كتاب في فقه الحنفية.
(5)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 296).