الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الأنصار فقال إلى رضاعه يا نبي اللَّه، قال: فرجمها (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على ماعز والغامدية الحد بموجب إقرارهما، مما يدل على اعتبار الإقرار في الحد، ويندرج تحته حد السرقة.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[52/ 1] المسألة الثانية والخمسون: باب البيت وغلقه حرز
.
• المراد بالمسألة: من كان عنده مال فوضعه في بيته وأغلق الباب، أو عقله إن غاب عنه، فإن ماله يعتبر محرزًا.
ويتبين من هذا أن ثمة مسألتين غير مرادتين هنا:
• المسألة الأولى: لو أغلق الباب، ثم غاب عنه، ولم يكن قد عقل الباب بقفل أو نحوه، فهذه مسألة أخرى هي محل خلاف بين أهل العلم هل يعتبر حرزًا أم لا، كما سيأتي في كلام ابن عبد البر قريبًا.
• المسألة الثانية: لو كان البيت عبارة عن عمارة ولها أبواب لكل شخص باب خاص به، كما هو الحال في الشقق والفنادق، فإن إغلاق الباب العام للعمارة لا يعتبر من مسألة الباب، وكذا لو لم يضع المال في البيت، بل وضعه في الممر العام داخل العمارة، فأخذه شخص آخر فإنه غير داخل في مسألة الباب، ويوضح ذلك ما قاله القرطبي في تفسيره: "لا خلاف أن الساكنين في دار واحدة كالفنادق التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار.
ولا خلاف في أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئًا، وإن أدخله بيته أو أخرجه من الدار؛ لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء، إلا أن تكون
(1) صحيح مسلم (رقم: 1695)، وأخرج البخاري إقرار ماعز (رقم: 2502).
دابة في مربطها أو ما يشبهها من المتاع" (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لم يختلفوا أن من فتح باب دار أو بيت وسرق منه ما يبلغ المقدار أنه يقطع، وقد أبى كثير من الفقهاء أن يجعلوا ذلك حرزًا إذا غاب عنه صاحبه، ولم يكن عقله، ولا تحت حرزه وقفله"(2).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء، مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه حرز"(3).
وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "لو نقب الحائط أو كسر الباب أو فتحه وأخذ النصاب فإنه يقطع باتفاق"(4).
وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "لو نقب الحائط أو كسر الباب أو فتحه وأخذ النصاب فإنه يقطع باتفاق"(5). وقال المطيعي (1404 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه حرز"(6).
• مستند الإجماع: يدل على المسألة ما يلي:
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه
(1) تفسير القرطبي (6/ 170).
(2)
الاستذكار (7/ 544).
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 449).
(4)
تحفة المحتاج شرح المنهاج (9/ 136).
(5)
مغني المحتاج (5/ 476).
(6)
المجموع (20/ 100).
بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (1).
وفي رواية أخرى للنسائي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سُئل في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن)(2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب القطع فيمن سرق من الثمر بعد وضعه في الجرين؛ لأن الجرين موضع حفظ للطعام وحرزه، وكذلك هنا فإن وضع باب للبيت وغلقه يعتبر حرزًا له.
2 -
من النظر: أن المذاهب الأربعة متفقة على أن مرجع الحرز إلى العرف (3)، وقد تعارف المسلمون على أن باب البيت وغلقه يُعتبر حرزًا للبيت.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، ولا يشكل عليه أن ثمة من لم ير الحرز أصلًا؛ لأن من لا يرى الحرز فإنه يرى القطع في هذه المسألة أيضًا من باب أولى، واللَّه تعالى أعلم.
(1) أخرجه أحمد (11/ 273)، الترمذي (رقم: 1289)، أبو داود (رقم: 4390)، النسائي (رقم: 4958).
(2)
أخرجه النسائي، (رقم: 4957).
(3)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 220)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 338)، الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني (2/ 214)، أسنى المطالب (4/ 141)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 448)، الفروع (6/ 130)، الإنصاف (10/ 270).