الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظاهر هذا الأثر أن عطاء يرى الحبس فيما إذا سرق ثالثة، بعد قطع اليد والرجل.
ويؤيد ذلك أن ابن عبد البر نقل عن عطاء القول بقطع اليدين دون الأرجل (1)، وهو يدل على أنه يقول بوجوب القطع في السرقة الثانية بغض النظر فيما يقطع.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق؛ وذلك لثبوت الخلاف مع الحنفية فيمن سرق عينًا وأقيم عليه الحد بها، ثم سرق نفس العين ثانيةً. ولما ذكره ابن حزم من الخلاف في المسألة.
[4/ 1] المسألة الرابعة: لو كان السارقون جماعة لم يسقط القطع عن واحد
.
• المراد بالمسألة: أن يشترك جماعة في سرقة ما تقطع فيه اليد، بأن يشترك اثنان أو أكثر بإخراج المال من الحزر، وكان المال لو قسم عليهم لبلغ لكل واحد منهم نصابًا يجب فيه القطع، ولم يسقط حد السرقة عن أحد الشركاء، كأن يكون أحدهم صبيًا، أو مجنونًا، أو ذا رحم محرم، أو كان ثبوت السرقة بإقرارهم ثم تراجع أحدهم.
فإذا وجدت هذه المسألة بهذه الضوابط وجب إقامة الحد على الجميع.
ويتبين مما سبق أن لو كان المال لم يبلغ نصابًا لكل واحد منهم لو قسم عليهم، أو كانوا لم يشتركوا في إخراج المال من الحرز، بل فتح أحدهما الحرز، وأخرج الآخر المال، وكان الثالث مراقبًا للمكان مثلًا، أو كان أحد الشركاء ممن يسقط عنه حد السرقة كالمجنون، فكل هذه الصور غير مرادة في مسألة الباب (2).
(1) الاستذكار (7/ 546).
(2)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 178)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 111 - 112)، المغني (9/ 120 - 121).
• من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (650 هـ): "اتفقوا على أنه إذا اشترك جماعة في سرقة، ويحصل لكل واحد نصاب أن على كل واحد منهم القطع"(1). وقال الجزيري (1360 هـ)(2): "اتفق الأئمة -رحمهم اللَّه تعالى- على أنه لو اشترك جماعة من اللصوص في سرقة شيء من المال، ونال كل واحد منهم نصاب السرقة، فإنه يجب إقامة الحد على كل واحد منهم، فتقطع يده"(3).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (4).
• وجه الدلالة: عموم الآية بوجوب القطع على كل سارق، وكل واحد من السارقين يطلق عليه لفظ السارق عرفًا وشرعًا.
2 -
من النظر:
أ- أنه لو سقط القطع بسبب الشراكة لأدى ذلك إلى أن يتخذ السارق وسيلة وحيلة بإسقاط الحد عليه بالسرقة.
ب- أن سرقة الجماعة أشد خطرًا على المجتمع من سرقة الشخص، فكان شرعية الردع في حقهم بالقطع أولى.
(1) الإفصاح (2/ 206).
(2)
هو عبد الرحمن بن محمد بن عوض الجزيري، نسبة لجزيرة شندويل بمصر، فقيه من علماء الأزهر، وتعلم في الأزهر، ودرس فيه، وعين مفتشًا لقسم المساجد بوزارة الأوقاف، فكبيرًا للمفتشين، فأستاذًا في كلية أصول الدين، من مصنفاته:"الفقه على المذاهب الأربعة"، في أربعة أجزاء بالاشتراك مع لجنة من العلماء، و"توضيح العقائد"، و"أدلة اليقين في الرد على بعض المبشرين"، وغيرها، ولد سنة (1299) هـ، وتوفي بحلوان سنة (1360) هـ. انظر: الأعلام 3/ 334، معجم المؤلفين 5/ 132.
(3)
الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري (5/ 191).
(4)
سورة المائدة، آية (38).