الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[40/ 1] المسألة الأربعون: من شروط إقامة حد السرقة أن يكون السارق عاقلًا
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العقل لغةً واصطلاحًا: العقل لغةً: قال ابن فارس: "العين والقاف واللام: أصلٌ واحد منقاس مطرد، يدلُّ عُظْمُه على حُبْسة في الشَّيء أو ما يقارب الحُبْسة، من ذلك العَقْل، وهو الحابس عن ذَميم القَول والفِعل"(1).
وقال ابن منظور: "العَقْلُ: الحِجْر والنُّهى، ضِدُّ الحُمْق، والجمع: عُقولٌ"(2).
وقال الخليل (3): "العَقْل: نقيض الجَهْل"(4).
العقل اصطلاحًا: اختلف أهل العلم من المتكلمة والفقهاء وغيرهم في حد العقل وتقسيمه وموضعه على أقوال:
فقيل: هو غريزة للتمييز والإدراك بين حسن الأشياء وقبيحها (5).
وقيل: هو نور في الصدر به يُبصر القلب عند النظر في الحجج (6).
وقيل: العقل علوم ضرورية (7).
والمراد أن من يدرك العلوم الضرورية التي لا تحتاج لنظر وتفكر فإنه يسمى عاقلًا، وهذا التعريف فيه نظر؛ فإن الأعمى قد لا يدرك بعض الأمور الضرورية
(1) مقاييس اللغة، مادة:(عقل)، (4/ 69).
(2)
لسان العرب، مادة:(عقل)، (11/ 458).
(3)
هو أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، الأزدي، اليحمدي، من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، أخذه من الموسيقى وكان عارفًا بها، وهو أستاذ سيبويه النحوي، اخترع العروض وأحدث أنواعًا من الشعر ليست من أوزان العرب، من تصانيفه:"العين"، و"معاني الحروف"، ولد في البصرة سنة (100 هـ)، وتوفي بها سنة (170 هـ). انظر: وفيات الأعيان 2/ 244، تهذيب التهذيب 3/ 163، الأنساب 4/ 357.
(4)
العين، باب: العين والقاف واللام، (1/ 159).
(5)
انظر: تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/ 309).
(6)
انظر: أصول السرخسي (1/ 347).
(7)
انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (198).
مع أنه يسمى عاقلًا، ولهذا قيّد بعضهم هذا التعريف بقوله:"هو صفة غريزية يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات"(1).
وقيل: العقل هو خالص الروح ولبُّها.
واحتُج له بأن لب كل شيء هو خلاصته، وقد سمى اللَّه العقل لُبًّا في قوله تعالى:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2)، يعني أولي العقول.
واختِلاف هذه التعريفات لاختلافهم في العقل هل هو غريزة، أو جوهر، وهل هو ضروري، أو مكتسب، وقد بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "العقل لا يمكن إحاطته برسم واحد، ولكن العقل يقع على أربعة معانٍ:
1 -
ضروري، وهو الذي عنَاه من قال: إنه بعض العلوم الضرورية، قلت: وهذا العقل ما يتعلق به التكليف.
2 -
غريزة تقذف في القلب، وهذا النوع ينمو بنمو الإنسان، وبه يقع الاختلاف بين الناس، فهذا بليد وذاك ذكي.
3 -
ما به ينظر صاحبه في عواقب الأمور، فلا يغتر بلذة عاجلة تعقبها ندامة.
4 -
ما يستفاد من التجارب في حياة الإنسان، وهذا ما عناه من قال:"إن العقل مكتسب"(3).
(1) انظر: التقرير والتحبير (3/ 439)، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/ 309).
(2)
سورة الرعد، آية (19).
(3)
المسودة (499 - 450) بتصرف يسير.
وينبه إلى أن العقل غير الجهاز الإدراكي في الإنسان، فالجهاز الإدراكي أشمل وأعم من هذا الجهاز الإدراكي للعقل، فالعقل الذي في القلب هو الذي يحدد ويحلل ويجمع المعلومات الداخلة له من الحواس الخمس "الشم، التذوُّق، السمع، البصر، اللمس"، فيأخذها العقل ويضعها في الخلايا الثابتة في المخ الإنسان، وهذه الخلايا جعلها اللَّه في الإنسان لكي تحفظ له المعلومات.
وإذا ماتت خلية فإنها تذهب بما فيها من معلومات، ولذلك يوجد ما يسمى بزمن الاختلاط عند =
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب إقامة الحد عليه، وكان السارق حين سرقته فاقدًا لعقله، من غير إرادته، كمجنون، أو معتوه، أو نائم، أو مغمى عليه، فإنه لا يُحد، لأن العقل شرط من شروط إقامة حد السرقة.
ويتبين مما سبق أن السارق لو كان مجنونًا أو معتوهًا في الأصل، لكنه يفيق أحيانًا، وكان حين سرقته في حال الإفاقة، فهذه غير مسألة الباب.
وكذا لو كان فقدانه لوعيه بسببه كالسكران، فإنه غير داخل في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يقام عليه -أي المجنون- في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه، بلا خلاف من الأمة"(1).
وقال ابن عبد البر (463 هـ) في شرحه لحديث ماعز بن مالك رضي الله عنه (2) حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه "هل به جنون؟ ": "هذا إجماع أن المجنون المعتوه لا حد عليه"(3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما
= الرواي، وهو الزمن الذي لا يستطيع الراوي بعده أن يتذكر المعلومة على وجه التمام، فلا يقبل حديثه بعد زمن الاختلاط.
وقد يفقد الإنسان ذاكرته ولا يفقد عقله، فيقال بأن فلانًا فاقد للذاكرة ولكنه يميز، أما إذا فقد عقله فإنه يصير مجنونًا فاقدًا للتمييز، مرفوعًا عنه التكليف. انظر: الموسوعة العربية العالمية، قرص إلكتروني لم يطبع.
(1)
المحلى (11/ 250).
(2)
هو ماعز بن مالك الأسلمي، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويقال إن اسمه عريب وماعز لقب، معدود في المدنيين، كتب له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتابًا بإسلام قومه، وهو الذي اعترف على نفسه بالزنا تائبًا منيبًا، وكان محصنًا، فرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لاجزأت عنهم" وفي صحيح أبي عوانة وابن حبان وغيرهما من طريق أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجم ماعز بن مالك قال: "لقد رأيته يتحضحض في أنهار الجنة". انظر: الاستيعاب 3/ 1345، الطبقات الكبرى 4/ 324، الإصابة 5/ 705.
(3)
التمهيد (23/ 120).
في وجوب الحد، وصحة الإقرار" (1). وقال النووي (676 هـ):"إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمع عليه"(2).
وقال ابن قدامة (682 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد، وصحة الإقرار"(3). وقال ابن المرتضى (840 هـ): "ولا يحد صبي ولا مجنون إجماعًا"(4).
• مستند الإجماع: من الأدلة على مسألة الباب:
1 -
عن عبد اللَّه بن بريدة أن أبيه رضي الله عنه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال:(ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنى، فسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال:(أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه (5) فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (6).
2 -
عن علي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى
(1) المغني (9/ 61).
(2)
شرح النووي (11/ 193).
(3)
الشرح الكبير (10/ 119).
(4)
البحر الزخار (6/ 142).
(5)
أي أمر بشمِّ رائحة فمه، ومنه:"النَّكهِة": وهي رائحة الفم، ويُقال:"كَهَّ في وجْهِي": أَي تنفَّسَ، والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من يشُم فم ماعز، بأن يتنفَّس ماعز في وجهه فيشم ريحه، ليعلم هل فيه رائحة خمر أو لا. انظر: لسان العرب، مادة (كهكه)(13/ 537)، مختار الصحاح (688).
(6)
صحيح مسلم (رقم: 1695)، وأخرج البخاري (رقم: 2502).