الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لجمهور العلماء، فقال:"مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة"(1)، ولعله اعتبر خلاف أبي حنيفة في ذلك.
[28/ 4] المسألة الثامنة والعشرون: المرتد أحكامه مردودة
.
• المراد بالمسألة: من المقرر عند الفقهاء من الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6) أن الإسلام شرط لتولي منصب القضاء بين المسلمين، فإذا تولى المسلم القضاء بين المسلمين، ثم ارتد حال توليه القضاء، فإن ما حكم به حال ارتداده مردود غير نافذ.
ويتبيَّن مما سبق أن ما حَكَم به قبل ارتداده، أو كان حكمه للقضاء بين غير المسلمين، كأهل الذمة، وغيرهم، فكل ذلك غير مراد من مسألة الباب.
وينبه أيضًا إلى أن المسألة مقيَّدة بحال الاختيار، أما في حال الضرورة فإن ذلك غير مراد، ومثال الضرورة: كأن يستبد بالسلطة حاكم ظالم ذو بطش وشوكة، فيولى القضاء كافرًا، فهذا قاضي ضرورة ينفذ قضاؤه رغم بطلان توليته؛ حتى لا تتعطل مصالح الناس، إذ وجود القاضي مهم لحل الخصومات،
(1) شرح النووي (14/ 174)، وانظر: نيل الأوطار (7/ 211).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 3)، فتح القدير (7/ 252 - 253)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/ 282).
(3)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (5/ 183)، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (1/ 26)، التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 36).
(4)
انظر: أسنى المطالب (4/ 278)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (10/ 106)، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج (6/ 262).
(5)
انظر: الفروع (6/ 421)، الإنصاف (11/ 176)، دقائق أولي النهى لشرح غاية المنتهى (3/ 492).
(6)
انظر: المحلى (8/ 427).
وترك المكان بلا قاض فيه ضرر بيِّن (1).
• من نقل الإجماع: قال أبو الوليد الباجي (474 هـ): "وأما اعتبار إسلامه -أي القاضي- فلا خلاف فيه بين المسلمين"(2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "المرتد أحكامه مردودة باتفاق العلماء"(3). وقال ابن فرحون (799)(4): "لا تصح -أي ولاية القضاء- من الكافر اتفاقًا"(5).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة بطلان تولي المرتد للقضاء ما يلي:
1 -
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (6).
• وجه الدلالة: الآية دلت بمنطوقها أن من شرط وُلاة الأمر أن يكونوا مؤمنين، وذلك في قوله:{مِنْكُمْ} (7).
2 -
قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (8).
• وجه الدلالة: أن تولية غير المسلم القضاء على المسلم يعتبر سبيلًا وسيطرة على المسلم؛ لأن القضاء ولاية، والآية صريحة أنه لا سبيل للكافر على المسلم، وهو من باب الخبر الذي بمعنى النهي (9).
(1) إعلام الموقعين (4/ 151).
(2)
المنتقى شرح الموطأ (5/ 183).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 270).
(4)
هو إبراهيم بن علي بن محمد، ابن فرحون، برهان الدين اليعمري، المالكي، مغربي الأصل، تولى القضاء بالمدينة سنة (793 هـ)، من تصانيفه:"الديباج المذهب"، و"تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام"، أصيب بالفالج في شقه الأيسر، فمات بسببها سنة (799 هـ). انظر: إنباء الغمر بأنباء العمر (3/ 338)، الدرر الكامنة (1/ 52)، الأعلام (1/ 52).
(5)
انظر: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام (1/ 26).
(6)
سورة النساء، آية (59).
(7)
انظر: الكشاف (1/ 556)، البحر المحيط (3/ 227).
(8)
سورة النساء، آية (141).
(9)
انظر: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج (6/ 263).
3 -
• وجه الدلالة: الآية صريحة في النهي عن اتخاذ بطانة من دون المسلمين، وتولية الكافر القضاء هو نوع من اتخاذه بطانة (2).
4 -
5 -
عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه (4) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه)(5).
(1) سورة آل عمران (118).
(2)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 54 - 55)، الآداب الشرعية (2/ 444). وبطانة الرجل: خاصته الذين يطَّلعون على أسراره، ويُشاورهم في أموره الخاصة. انظر: لسان العرب، مادة (بطن)، (13/ 52)، مختار الصحاح (73).
(3)
سورة التوبة (29).
(4)
هو أبو هبيرة، عائذ بن عمرو بن هلال بن عبيد بن يزيد المزني، كان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة، سكن البصرة، وتوفي في إمرة عبيد اللَّه بن زياد أيام يزيد بن معاوية. انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/ 799، الإصابة في تمبيز الصحابة 3/ 609، معرفة الصحابة 4/ 2220.
(5)
أخرجه الدارقطني (3/ 252)، والبيهقي في سننه الكبرى (6/ 205)، والروياني (2/ 37). وحسن إسناده ابن حجر في "فتح الباري"(3/ 220)، وقال العيني في "عمدة القاري" (8/ 169):"بسند صحيح على شرط الحاكم"، بينما قال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 862):"بإسناد ضعيف"، كما ضعفه الألباني في "إرواء الغليل"(5/ 106) لأن في سنده مجهولان، هما؛ عبد اللَّه بن حشرج، وأبوه.
وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 257) وابن حزم (5/ 371) عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا. قال ابن حجر في "تغليق التعليق"(2/ 490): "هذا إسناد صحيح"، وقال الألباني =
• وجه الدلالة من الآية والحديث: فيهما دليل على أن حق الكافر الذل والصغار، ومعلوم أن القضاء منصب رفيع فيه إكرام وتعظيم لمن تقلَّده، والكافر لا يستحق التعظيم (1).
6 -
قياس القضاء على الشهادة بجامع أن كلًا منهما ولاية، فكما لا يجوز شهادة الكافر، وهي ولاية خاصة، فمن باب أولى ألا يصح قضاؤه، لكونه ولاية عامة (2).
7 -
أن القصد من القضاء تطبيق الأحكام الشرعية، والكافر جاهل بها غالبًا.
8 -
أن القضاء منصب عظيم، يحتاج لأمانة ودين فيمن يتولاه، والكافر فاقد لذلك.
9 -
قياس الكافر على الفاسق بجامع فقدان شرط العدالة في كل منهما، فإذا كان الفاسق ممنوعًا من تولي القضاء مع كونه خيرًا من الكافر ومع أصل
= في "إرواء الغليل"(5/ 109): "إسناده موقوف صحيح".
وأخرجه البخاري معلقًا (1/ 454) حيث قال: "باب: إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام"، بلفظ:"كان ابن عباس رضي الله عنهما مع أُمِّه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه، وقال: (الإسلام يعلو ولا يعلى) ".
وأخرجه الطبراني في المعجم الصغير (2/ 155)، والمعجم الأوسط (6/ 127)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 37) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ابن حجر في تلخيص الحبير (4/ 231):"إسناده ضعيف جدًا"، وضعفه كذلك الذهبي في "لسان الميزان"(5/ 292).
وأخرجه ابن الرزاز الواسطي في "تاريخ واسط"(156) من حديث رضي الله عنه. قال الألباني في "إرواء الغليل"(5/ 108): "وإسناده ضعيف من أجل عمران بن أبان وهو أبو موسى الطحان الواسطى قال الحافظ في "التقريب": ضعيف". ويتحصل مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طرقه، كما قال الألبانى في إرواء الغليل (5/ 109):"وجملة القول أن الحديث حسن مرفوعًا بمجموع طريقي عائذ ومعاذ، وصحيح موقوفًا".
(1)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 186)، الأحكام السلطانية (84)، كشاف القناع (6/ 295).
(2)
انظر: العناية شرح الهداية (7/ 252).
الإيمان، فمن باب أولى أن يمنع الكافر من تولي القضاء (1).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم (2).
(1) انظر: المحلى (8/ 496).
(2)
تنبيه: شذ بعض المعاصرين، وهو محمد سلام مدكور، وذلك في كتابه:"القضاء في الإسلام"، حيث ذهب إلى جواز تولية الكافر القضاء على المسلمين في غير الأحوال الشخصية، والمقصود باصطلاح "الأحوال الشخصية"، ويسمى بـ"فقه الأسرة"، أو "أحكام الأسرة": هي: الأحكام المتعلقة بإنشاء الرابطة الزوجية -الأسرة-، وإنهائها، وما يترتب على كل منها من أحكام وآثار ونتائج، ولم أذكره من جملة المخالفين في المسألة، لأنه قول معاصر، وشاذ، لكن أحببت الإشارة إليه مع بيان أدلته والجواب عنها، لبيان بطلان هذا القول، حيث استدل على ذلك بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106].
ويناقش: بأن هذه الحال إنما جاز فيها شهادة الكافر من باب الضرورة، عند عدم الشاهد المسلم، وتولية الكافر للقضاء حال الضرورة تكلم عليه الفقهاء بجوازه.
2 -
أنه قد روي عن الإمام مالك القول بجواز شهادة طبيبين كافرين على المسلم حيث لا يوجد طبيب مسلم.
ويناقش بأمرين:
أ- أن هذه الحال إنما جاز فيها شهادة الكافر من باب الضرورة، عند عدم الشاهد المسلم، وتولية الكافر للقضاء حال الضرورة تكلم عليه الفقهاء بجوازه.
ب- أن مالك إمام مجتهد، وليس بصحابي حتى يُستدل بقوله، وبالتالي فلا يُعبر قوله الإمام مالك دليلًا.
3 -
قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282].
وجه الدلالة: عموم الآيات السابقة حيث ليس فيها ما يدل على اشتراط كون الشاهد مسلمًا. ويناقش: بأن هذا العموم جاء مقيدًا بقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282].
وهذا جواب مفصل على ما استدل به، أما دليله العام من قياس الشهادة على القضاء، بحيث أن كل من جازت شهادته جاز قضاؤه فيناقش بأنه قياس مع الفارق، والفارق من وجهين: =
[29/ 4] المسألة التاسعة والعشرون: اتفق العلماء على أن القرآن هو المتلو في الأمصار المكتوب الذي بين أيدينا وهو ما جمعته الدفتان من أول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) إلى آخر سورة الناس.
• المراد بالمسألة: القرآن الذي أنزله اللَّه تعالى هو ما بين دفتي المصاحف الموجودة بين أيدينا، من أول سورة الفاتحة وهي قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2)، إلى آخر سور الناس.
لكن يستثنى من ذلك البسملة التي في أول السور، فإن إثبات كونها قرآنًا أو نفيه محل خلاف، سيأتي بيانه إن شاء اللَّه تعالى (3)، وكذا يستثنى منه ذكر أسماء السور، والأجزاء، والأحزاب، وتحديد الآيات.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ) في باب عقده لجملة من الاعتقادات التي يكفر من خالفها: "اتفقوا أن القرآن المتلو الذي في المصاحف بأيدي الناس، في شرق الأرض وغربها من أول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}، إلى آخر: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} (4)، هو كلام اللَّه عز وجل ووحيه، أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مختارًا له من بين الناس"(5).
وقال القاضي عياض (454 هـ): "أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في
= 1 - أن الفضاء ملزم بلا واسطة، أما الشهادة فهي ملزمة بواسطة القاضي.
2 -
أن القضاء ولاية عامة، وهي من أعلى الولايات بخلاف الشهادة فإنها ولاية خاصة، وهي أدنى الولايات كما قاله الكاساني.
ويتبيَّن مما سبق أن القول بجواز قضاء الكافر على المسلم قول شاذ باطل، ولم يقل به أحد من سلف الأمة وعلمائها المعتبرين. انظر: بدائع الصنائع (7/ 3)، الطرق الحكمية لابن القيم (150).
(1)
سورة الفاتحة، آية (2).
(2)
سورة الفاتحة، آية (2).
(3)
انظر: المسألة الخامسة والعشرون بعد المائة تحت عنوان: "لا يكفر من أثبت البسملة في أوائل السور غير سورة براءة، ولا من نفاها".
(4)
سورة الناس، آية (1).
(5)
مراتب الإجماع (268).