الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة" (1).
• وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه بيَّن أنه إنما يجري الأحكام بناء على الظاهر، وهو من الخلفاء الراشدين المهديين الذين أُمرنا باتباعه.
5 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل المنافقين في عهده بناء على الظاهر، مع أنه كان يعلم بواطنهم بطريق الوحي.
6 -
أن الأصل بقاء المسلم على ما هو عليه من الإسلام، حتى يظهر منه الرجوع للكفر، كما أن الأصل في الكافر إذا مات إجراء الأحكام الظاهرة عليه حتى يظهر منه ما يدل على الإسلام.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[129/ 4] المسألة التاسعة والعشرون بعد المائة: لا يكفر من تكلم بالكفر مكرهًا
.
• المراد بالمسألة: لو أكره المسلم على كلمة الكفر، فقالها وهو كاره لها، غير معتقد لما دلت عليه الكلمة، فإنه لا يكفر بمجرد التلفظ.
ويتحصل من هذا أنه لو تلفظ بها معتقدا لهًا، أو راضيًا بها، فذلك غير مراد في مسألة الباب، ولو كان مكرهًا.
وكذا لو أكره على فعل كفري، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان، أنه لا يحكم عليه بالكفر، ولا تبين منه زوجته، إلا محمد بن الحسن فقال: إذا أظهر الكفر صار مرتدًا، وبانت منه امرأته، ولو كان في الباطن مسلمًا"(2).
وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر حتى
(1) صحيح البخاري (رقم: 2498).
(2)
انظر: فتح الباري (12/ 413).
خشى على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر" (1)، ونقله عنه ابن حجر (2). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا على أن المكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يلزمه شيء من الكفر عند اللَّه تعالى، واختلفوا في إلزامه أحكام الكفر" (3).
وقال ابن العربي (543 هـ): "أما الكفر باللَّه فذلك جائز له -أي للمكرَه- بغير خلاف على شرط أن يلفظ بلسانه، وقلبه منشرح بالإيمان"(4).
وقال القرطبي (671 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر"(5).
وقال ابن تيمية (728 هـ): "لا يكفر من تكلم بالكفر مكرهًا بالنص والإجماع"(6). وقال ابن القيم (751 هـ): "لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض، إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان"(7).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب:
1 -
وهذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه حين أكره على كلمة الكفر، فقالها
(1) شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 291).
(2)
انظر: فتح الباري (12/ 413).
(3)
مراتب الإجماع (109).
(4)
أحكام القرآن (3/ 160).
(5)
تفسير القرطبي (10/ 182).
(6)
الفتاوى الكبرى (3/ 212)، وانظر:(6/ 86).
(7)
إعلام الموقعين (3/ 141).
(8)
سورة النحل، آية (106).
مكرهًا، مريدًا الخلاص من أيدي المشركين، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، قال عليه الصلاة والسلام:(كيف نجد قلبك)، قال: مطمئن بالإيمان، قال صلى الله عليه وسلم:(فإن عادوا فعد)(1).
فقيل: المراد إن عادوا إلى إكراهك للكفر فعد أنت إلى ما طلبوا منك مع الطمأنينة بالإيمان.
وقيل: المراد إن عادوا للإكراه فعد أنت إلى الطمأنينة، وليس فيها حث على العودة بإجابة ما طلبه المشركون (2).
2 -
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)(3).
• المخالفون للإجماع: نقل ابن المنذر والقرطبي وابن قدامة وغيرهم عن محمد بن الحسن القول بأن المكرَه إذا نطق بالكفر فإنه يكون مرتدًا في الظاهر، وفيما بينه وبين اللَّه تعالى على الإسلام، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلمًا (4).
وحكاه ابن المرتضى عن أبي حنفية، وأبي يوسف (5).
والتحقيق في مذهب الحنفية أنهم يعذرون بالإكراه، لكنهم يخصونه بأن
(1) قال ابن حجر في "فتح الباري"(12/ 312): "والمشهور أن الآية المذكورة نزلت في عمار بن ياسر، وهو مرسل ورجاله ثقات، أخرجه الطبري وقبله عبد الرزاق، وأخرجه البيهقي، وهو مرسل أيضا وأخرج الطبري نحوه مطولا وفي سنده ضعف، وأخرجه الفاكهي من مرسل زيد بن أسلم وفي سنده ضعف أيضا، وأخرج عبد بن حميد من طريق بن سيرين ورجاله ثقات مع إرساله أيضا، وهذه المراسيل تقوي بعضها ببعض" اهـ باختصار.
(2)
انظر: المبسوط (24/ 44)، البحر الرائق (8/ 83).
(3)
ابن ماجه (رقم: 2045).
(4)
انظر: تفسير القرطبي (10/ 182)، المغني (9/ 30).
(5)
البحر الزخار (6/ 203).