الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل) (1).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[41/ 1] المسألة الحادية والأربعون: من شروط إقامة حد السرقة أن تكون السرقة من حرز
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الحرز لغة واصطلاحًا: الحرز لغة: قال ابن فارس: "الحاء والراء والزاء أصلٌ واحد، وهو من الحِفْظ والتَّحفظ، يقال: حَرَزْتُه واحترزَ هو: أي تحفَّظَ.
وناسٌ يذهبون إلى أنّ هذه الزّاءَ مبدلةٌ مِن سين، وأنَّ الأصل: الحَرْس، وهو وجهٌ" (2).
وقال الفيومي (3): "الحِرْز: المكان الذي يحفظ فيه، والجمع "أَحْرَازٌ"، مثل: حِمْل وأحمال، وأَحْرَزْتُ المتاع: جعلته في الحرز، ويقال: حِرْزٌ حَرِيزٌ: للتأكيد، كما يقال: حصن حصين"(4).
الحرز اصطلاحًا: اختلفت عبارات الفقهاء في ضابط الحرز:
(1) أخرجه أحمد (2/ 245)، والترمذي (رقم: 1423)، وأبو داود (رقم: 4403)، من حديث علي رضي الله عنه. وأخرجه أحمد (41/ 224)، وأبو داود (رقم: 4398)، والنسائي (رقم 3432)، وابن ماجه، (رقم: 2041) 224.
(2)
مقاييس اللغة، مادة:(حرز)، (2/ 38).
(3)
هو أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، لغوي، ولد ونشأ بالفيوم بمصر، من تصانيفه:"المصباح المنير"، و"نثر الجمان في تراجم الاعيان"، توفي سنة (770 هـ). انظر: الدرر الكامنة 1/ 372، هدية العارفين 1/ 113، الأعلام 1/ 224.
(4)
المصباح المنير، مادة:(حرز)، (139)، وانظر: المطلع على أبواب الفقه، باب: الوديعة، (279)، الصحاح، مادة:(حرز)، (11/ 4).
قال السرخسي (1) من الحنفية: "كل مكان معد لحفظ الأمتعة فهو حرز"(2).
وعرفه المالكية بأنه: "ألا يُعد الواضع فيه مضيعًا عرفًا"(3).
وقال الرملي (4) من الشافعية: "ضابط الحرز: ما لا يُنسب المودَع بوضع الوديعة فيه إلى تقصير"(5).
وقال ابن قدامة من الحنابلة: "الحرز ما عد حرزًا في العرف"(6).
ويتحصل مما سبق أن الحرز عند الفقهاء هو ما نُصب لحفظ أموال الناس عادة، كالدار، والصندوق، وما أشبه ذلك، وتحديد الحرز يرجع إلى العرف،
(1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، نسبة إلى سرخس -من بلاد خراسان-، فقيه حنفي، محدث، أصولي، مناظر، حبس مدة طويلة، وألف بعض كتبه في السجن، منها المبسوط، ومن كتبه: شرح السير الكبير، وغيرها، وتوفي سنة (483) هـ. انظر: الفوائد البهية 158، الجواهر المضية 2/ 28، الزركلي 6/ 208.
(2)
المبسوط (9/ 150)، وانظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 587)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 220).
(3)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 338)، الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني (2/ 214)، بلغة السالك لأقرب المسالك (4/ 477).
(4)
هو محمد بن أحمد بن حمزة، شمس الدين الرملي، نسبة إلى رملة من قرى مصر، الشافعي، فقيه الديار المصرية في عصره، ومرجعها في الفتوى، لقب بالشافعي الصغير، ولي إفتاء الشافعية، وجمع فتاوى أبيه، من كتبه:"عمدة الرابح" في فقه الشافعية، و"نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج"، ولد في القاهرة سنة (919) هـ، ومات بها سنة (1004) هـ. انظر: خلاصة الأثر 3/ 328، الأعلام 6/ 235.
(5)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 448).
(6)
المغني (9/ 98)، وانظر: الفروع (6/ 130)، الإنصاف (10/ 270)، ثم بيَّن ابن قدامة وجه هذا التعريف فقال: "فإنه لما ثبت اعتباره -أي الحرز- في الشرع من غير تنصيص على بيانه، عُلم أنه رد ذلك إلى أهل العرف؛ لأنه لا طريق إلى معرفته إلا من جهته، فيرجع إليه، كما رجعنا إليه، في معرفة القبض والفرقة في البيع وأشباه ذلك.
إذا ثبت هذا: فإن من حرز الذهب والفضة والجواهر الصناديق تحت الأغلاق والأقفال الوثيقة =
فهو يختلف باختلاف المال، والزمان، والمكان، والسلطان، كما صرح بذلك الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، فإن من شرط إقامة الحد أن يكون السارق أخذ المال من الحرز الذي يحفظ فيه المال، وأخرجه من الحرز، فإن كان المال غير محرز فلا قطع.
ويتبين مما سبق أنه لو أخذ المال من الحرز بأن جمعه ولم يخرجه، فإنها غير مسألة الباب، وهي مسألة سبق ذكرها في الفصل الأول (5).
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن القطع يجب على من سرق ما يجب فيه القطع من الحرز"(6). وقال الجصاص (370 هـ): "لا خلاف بين فقهاء الأمصار في أن الحرز شرط في القطع"(7).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "واتفق الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار وأتباعهم على مراعاة الحرز في ما يسرقه السارق، فقالوا: ما سرقه السارق من
= في العمران، وحرز الثياب وما خف من المتاع، كالصفر والنحاس والرصاص، في الدكاكين، والبيوت المقفلة في العمران، أو يكون فيها حافظ، فيكون حرزًا، وإن كانت مفتوحة، وإن لم تكن مغلقة ولا فيها حافظ، فليست بحرز، وإن كانت فيها خزائن مغلقة، فالخزائن حرز لما فيها، وما خرج عنها فليس بمحرز". وبهذا التعريف والتوجيه عرَّفه ابن الهمام من الحنفية كما في فتح القدير (5/ 380).
(1)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 220).
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 338)، الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني (2/ 214).
(3)
انظر: أسنى المطالب (4/ 141)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 448).
(4)
انظر: الفروع (6/ 130)، الإنصاف (10/ 270).
(5)
انظر: المسألة الثانية عشرة تحت عنوان: "السارق إذا دخل البيت ولم يخرِج بالمتاع لا يُقطع".
(6)
الإجماع (110).
(7)
أحكام القرآن (2/ 587).
غير حرز فلا قطع عليه، بلغ المقدار الذي يجب فيه القطع أم لم يبلغ" (1).
وقال ابن العربي (543 هـ): "والأمة متفقة على اعتبار الحرز في القطع في السرقة؛ لاقتضاء لفظها، ولا تضمن حكمتها وجوبه، ولم أعلم من ترك اعتباره من العلماء، ولا تحصَّل لي من يهمله من الفقهاء، وإنما هو خلاف يذكر، وربما نسب إلى من لا قدر له، فلذلك أعرضت عن ذكره"(2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "وأجمعوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع"(3) ونقله عنه ابن قاسم (4).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "هذا قول أكثر أهل العلم -أي اشتراط الحرز-، وهذا مذهب عطاء، والشعبي، وأبي الأسود الدؤلي، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وعمرو بن دينار، والثوري، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن أحد من أهل العلم خلافهم، إلا قولا حكي عن عائشة، والحسن، والنخعي، فيمن جمع المتاع ولم يخرج به من الحرز عليه القطع، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وحكي عن داود أنه لا يعتبر الحرز"(5)، ثم تعقب المخالف بأن المسألة محل إجماع، فلا يعتد بمن خالف، وكذا بعد هذه المسألة ذكر ابن قدامة مسألة أنه لا بد من إخراج المتاع من الحرز، وأشار في هذه المسألة إلى أن الحرز محل إجماع (6). وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ):"لا قطع على من سرق شيئًا من غير حرز بالإجماع، إلا ما شذَّ فيه الحسن، وأهل الظاهر"(7).
وقال القرطبي (671 هـ): "اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع، وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا
(1) الاستذكار (7/ 541)، وانظر:(7/ 571 - 572).
(2)
أحكام القرآن (2/ 111).
(3)
الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 205).
(4)
حاشية الروض المربع (7/ 362).
(5)
المغني (9/ 98).
(6)
المغني (9/ 103).
(7)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 76).
جمع الثياب في البيت قطع، وقال الحسن بن أبي الحسن أيضًا في قول آخر مثل قول سائر أهل العلم، فصار اتفاقًا صحيحًا" (1). وقال ابن الهمام (861 هـ):"الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم، وعن عائشة، والحسن، والنخعي، أن من جمع المال في الحرز قطع، وإن لم يخرج به، وعن الحسن مثل قول الجماعة، وعن داود لا يعتبر الحرز أصلًا، وهذه الأقوال غير ثابتة عمن نقلت عنه، ولا مقال لأهل العلم إلا ما ذكرنا، فهو كالإجماع"(2).
وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ) في معرض ذكره لشروط القطع في السرقة: "الرابع: كونه محرزًا، إجماعًا"(3) وذكره الخطيب الشربيني (977 هـ) كذلك في "مغني المحتاج": "إجماعًا"(4). وقال الرملي (1004 هـ) في معرض ذكره لشروط القطع في السرقة: "الرابع: كونه محرزًا، بالإجماع"(5) وقال ابن قاسم (1392 هـ): "الإجماع على أن الحرز معتبر في وجوب القطع"(6).
وقال المطيعي (1404 هـ): "الشرط في وجوب هذا الحد فهو الحرز، وذلك أن جميع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع"(7).
• مستند الإجماع: استدل القائلون باشتراط الحرز في وجوب القطع بأدلة منها:
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء
(1) تفسير القرطبي (6/ 163)، وانظر:(6/ 170).
(2)
فتح القدير (5/ 280).
(3)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 133).
(4)
انظر: مغني المحتاج (5/ 474).
(5)
انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 448).
(6)
حاشية الروض المربع (7/ 362).
(7)
المجموع (20/ 99).
عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (1).
2 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن)(2).
• المخالفون للإجماع: يتبين مما سبق ممن نقل الإجماع أن ثمة مخالفا لوجوب الحرز في القطع، وهو مذهب الظاهرية، فإنهم لم يشترطوا الحرز، وذهبوا إلى أن من سرق ولو من غير حرز وجب عليه القطع، فلو أخذ المتاع ثم قبض قبل أن يخرجه من الدار وجب عليه الحد، ونقله ابن حزم عائشة رضي الله عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري (3).
لكن ثمة مسألة حاصلها:
هل من نَقل عنهم ابن حزم القول بعد اشتراط الحرز يرون عدم شرطية الحرز جملة، أم أنهم يرون عدم اشتراط إخراج المال من الحرز، وإن كانوا يرون الحرز في أصله؟
ظاهر كلام ابن حزم عدم الاشتراط جملة، فإنه استدل بأقوالهم على انتفاء شرطية الحرز، لكن ظاهر نصوصهم أنهم لم يشترطوا الإخراج، ولم يذكروا
(1) أخرجه الترمذي (رقم: 1289)، أبو داود (رقم: 4390)، النسائي (رقم: 4958).
(2)
أخرجه النسائي (رقم: 4957).
(3)
المحلى (12/ 302).
مسألة كونه محروزًا أم لا، ولذا تجد جماعة من أهل العلم لما نقلوا الخلاف في المسألة فصلوا بين قول الظاهرية، وقول عائشة ومن تبعها.
وعلى كل فابن حزم يُعتبر مخالفًا للجمهور في مسألة اشتراط الحرز، وأما عائشة ومن تبعها فإن النقل عنهم في عدم اشتراط الحرز بالكلية، فيه تردد، لا سيما أن جماعة من أهل العلم كابن المنذر وغيره يرون أنه لا يصح في هذا الباب شيء عن السلف، واللَّه تعالى أعلم.
• دليل المخالف: استدل ابن حزم لمسألة الباب أنه ليس ثمة دليل شرعي صحيح من كتاب أو سنة أو قول صاحب على اشتراط الحرز (1).
كما استدل على المسألة من حيث اللغة فنقل الإجماع على أن السرقة تطلق على الآخذ بخفية، وليس في لغة العرب أن يكون المال محرزًا، فقال:"أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته"(2).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن عامة أهل العلم على اشتراط الحرز، لكن المسألة ليست محل إجماع متحقق، ولذا تجد أن جماعة من أهل العلم كابن عبد البر، وابن قدامة وغيرهما مع نقلهم للإجماع ذكروا مخالفًا في المسألة، لكنهم لم يعتدُّوا بخلافه وجعلوه من قبيل الشاذ الذي لا عبرة به.
لكن ثمة جملة من أهل العلم اعتبروا المخالف في المسألة وجعلوا اشتراط
(1) وقد سبق في ذكر أدلة اشتراط الحرز، أن ابن حزم يضعف تلك الأحاديث.
(2)
المحلى (12/ 311).