الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين، فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلي عن شرائعه، ولهذا كان كل مؤمن يعرف أحوال التتار ويعلم أن المرتدين الذين فيهم من الفرس والعرب وغيرهم شر من الكفار الأصليين من الترك ونحوهم، وهم بعد أن تكلموا بالشهادتين مع تركهم لكثير من شرائع الدين خير من المرتدين من الفرس والعرب وغيرهم، وبهذا يتبين أن من كان معهم ممن كان مسلم الأصل هو شر من الترك الذين كانوا كفارًا؛ فإن المسلم الأصلي إذا إرتد عن بعض شرائعه كان أسوأ حالًا ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع، مثل مانعي الزكاة، وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق" (1).
ب - علل بعض أهل العلم ذلك بأن المرتد قد ذاق طعم الإيمان، بخلاف الأصلي، فجُعل حكمه أغلظ، قال الشوكاني:"ولا ريب أن ذنب المرتدّ أشدُّ من ذنب من هو باقٍ على الكفر؛ لأن المرتدّ قد عرف الحق، ثم أعرض عنادًا، وتمرُّدًا"(2)، وهذا كما فرَّقت الشريعة بين الزاني المحصن من غير المحصن، فإن المحصن لما ذاق طعم الحلال وتمكَّن منه ثم عدل للحرام، جُعل له من الحكم ما هو أشد من الزاني غير المحصن (3).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[5/ 4] المسألة الخامسة: قبول اللَّه لتوبة المرتد والزنديق في الباطن
.
• المراد بالمسألة: المرتد أو الزنديق إن تاب من ردته وزندقته ففي قبول توبته خلاف بين أهل العلم، وهذا الخلاف هو في قبول التوبة ظاهرًا، وإجراء أحكام أهل الإسلام عليه، كترك قتله.
أما أحكام الآخرة، فلا خلاف في أن اللَّه تعالى يقبل توبته إن صدق التوبة.
(1) مجموع الفتاوى (28/ 534 - 535)، وانظر: الفتاوى الكبرى (3/ 550).
(2)
فتح القدير (1/ 359).
(3)
انظر: البحر الزخار (4/ 73).
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ): "الخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم -أي المرتدين- في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، وأما قبول اللَّه تعالى لها في الباطن، وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهرًا أم باطنًا، فلا خلاف فيه"(1). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم -أي المرتدين- إنما هو في الظاهر من أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، فأما قبول اللَّه تعالى لها في الباطن وغفران ذنوبهم لمن تاب، وأقلع ظاهرًا وباطنًا، فلا خلاف فيه"(2).
وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "الخلاف في قبول توبتهم، إنما هو في الظاهر في أحكام الدنيا، من ترك قتالهم، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم، وأما قبولها في الباطن فلا خلاف فيه حيث صدق"(3). وقال المرداوي (885 هـ) بعد سياقه أقوال أهل العلم في قبول توبة المرتد: "محل الخلاف المتقدم في عدم قبول توبتهم وقبولها في أحكام الدنيا، من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام، فأما في الآخرة: فإن صدقت توبته، قُبلت، بلا خلاف"(4).
وقال ابن قاسم (1392 هـ): "والخلاف في أحكام الدنيا من ترك القتل، وثبوت أحكام الإسلام من توريث وغيره، وأما في الآخرة: فإن صدقت توبته قبلت بلا خلاف"(5).
• مستند الإجماع: قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} (6).
(1) المغني (9/ 19).
(2)
الشرح الكبير (10/ 92).
(3)
المبدع شرح المقنع (9/ 181).
(4)
الإنصاف (10/ 334).
(5)
حاشية الروض المربع (7/ 408).
(6)
سورة النساء، آية (145 - 146).