الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت" (1).
3 -
من النظر: لأنه حق للَّه تعالى، فملك السيد إقامته، كالزاني (2).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم في حق الحر، أما العبد فالخلاف فيه ظاهر.
[40/ 4] المسألة الأربعون: وجوب قتل المرتد
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة شرعًا على رجل، فإنه يجب على الإمام إقامة حد الردة على ذلك الشخص، إذا لم يتب من ردته.
ويتحصل مما سبق أن الردة لو لم تثبت شرعًا بأن كان المرتد غير عاقل، أو غير بالغ، أو كان مكرهًا، أو متأولًا، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو كان المرتد امرأة حرةً أو أمةً، أو كان قد تاب من ردته سواء كانت توبته بالاستتابة أو بدون استتابة، فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمع أهل العلم بأن العبد إذا ارتد فاستتيب فلم يتب قُتل، ولا أحفظ فيه خلافًا"(3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وفقه هذا الحديث (4) أن من ارتد عن دينه حل دمه، وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك"(5). وقال أيضا: "فالقتل بالردة -على ما ذكرنا- لا خلاف بين المسلمين فيه، ولا اختلفت الرواية والسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وإنما وقع الاختلاف في الاستتابة"(6).
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن المرتد عن الإسلام يجب عليه
(1) الموطأ (3247)، وصححه ابن حزم في المحلى (12/ 415)، وابن القيم في زاد المعاد (5/ 57).
(2)
انظر: المغني (9/ 19).
(3)
الإجماع (122).
(4)
أي قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).
(5)
التمهيد (5/ 306)
(6)
التمهيد (5/ 318).
القتل" (1)، ونقله عنه ابن قاسم (2). وقال الكاساني (587 هـ): "ومنها -أي من أحكام المرتد- حرمة الاسترقاق، فإن المرتد لا يسترق، وإن لحق بدار الحرب؛ لأنه لم يشرع فيه إلا الإسلام أو السيف. . . وكذا الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا عليه في زمن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه" (3). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ):"والمرتد إذا ظُفِرَ به قبل أن يحارب، فاتفقوا على أنه يُقتلُ الرجل"(4).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك، فكان إجماعًا"(5). وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين"(6). وقال النووي (676 هـ): "وأجمعوا على قتله -أي المرتد-"(7).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين، روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي عليه السلام، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد رضي الله عنهم، وغيرهم، فلم ينكر، فكان اجماعًا"(8). وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "أجمعوا على وجوب قتل المرتد"(9) وقال البهوتي (1051 هـ): "وأجمعوا على وجوب قتل المرتد"(10). وقال الصنعاني (1182 هـ): "يجب قتل المرتد، وهو إجماع"(11).
(1) الإفصاح (2/ 187).
(2)
حاشية الروض المربع (7/ 187).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 136).
(4)
بداية المجتهد (2/ 380).
(5)
المغني (9/ 16).
(6)
العدة شرح العمدة (2/ 189).
(7)
شرح النووي (12/ 208).
(8)
الشرح الكبير (10/ 74).
(9)
المبدع شرح المقنع (9/ 150).
(10)
دقائق أولي النهى لشرح منتهى الإرادات (3/ 394).
(11)
سبل السلام (2/ 383).
وقال الرحيباني (1243 هـ): "وقد أجمع المسلمون على وجوب قتل المرتد"(1). وقال الشوكاني (1250 هـ): "قتل المرتد عن الإسلام متفق عليه في الجملة"(2). وقال ابن عابدين (1252 هـ): "فإن أسلم وإلا قتل لحديث: (من بدل دينه فاقتلوه) (3)، وهذا بالإجماع"(4).
وقال ابن ضويان (1353 هـ)(5): "أجمعوا على وجوب قتله إن لم يتب"(6). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "أجمع بالعلماء على وجوب قتل المرتد إن لم يتب"(7). وقال المطيعي (1404 هـ): "وقد انعقد الإجماع على قتل المرتد"(8).
• مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسالة الباب بأدلة منها:
1 -
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى لم يجعل في الآية إلا الإسلام أو السيف، والقوم الذين وصفوا بأنهم أولوا باس شديد قيل: هم بنو حنيفة، أهل اليمامة أصحاب مسيلمة، وبه قال مقاتل بن سليمان، والزهري، كما قال رافع بن
(1) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6/ 275).
(2)
السيل الجرار (1/ 868).
(3)
البخاري (رقم: 2854).
(4)
رد المحتار على الدر المختار (4/ 226).
(5)
هو إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان، الحنبلي، فقيه، له علم بالأنساب، واشتغال بالتاريخ، كانوا يرجعون إليه في حل معضلاتهم، تولى القضاء، وله مؤلفات منها:"منار السبيل"، و"دليل الطالب"، ولد سنة (1275 هـ)، وتوفي سنة (1353 هـ). انظر: الأعلام 1/ 72.
(6)
منار السبيل في شرح الدليل لابن ضويان (2/ 356).
(7)
حاشية الروض المربع (7/ 399).
(8)
المجموع (19/ 228).
(9)
سورة الفتح، آية (16).
خديج رضي الله عنه (1): "واللَّه لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} (2)، فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم"(3).
2 -
عموم ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه)(4).
3 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال:(يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال:(لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأَمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (5).
4 -
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم
(1) هو أبو عبد اللَّه، رافع بن خديج بن رافع بن عدي الأنصاري، الأوسي، الحارثي، استصغر يوم بدر، ثم شهد أحدًا والخندق، وأصابه سهم يوم أحد، فانتزعه، فبقي النصل في لحمه إلى أن مات سنة (73 هـ). انظر: الاستيعاب 2/ 479، معجم الصحابة 2/ 348، معرفة الصحابة 2/ 1044.
(2)
سورة الفتح، آية (16).
(3)
انظر: تفسير القرطبي (16/ 272).
(4)
البخاري (رقم: 2854).
(5)
البخاري (رقم: 6525)، مسلم (رقم: 1733).
يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المارق من الدين التارك للجماعة) (1).
• وجه الدلالة: الحديث صريح بأن المرتد عن الإسلام فإنه يحِل دمه، وينتفي عنه عصمة الدم.
• المخالفون للإجماع: قل ابن حزم عن بعض أهل العلم القول بأنه لا قتل على مرتد (2)، ولم ينسبه لأحد من أهل العلم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد يتنازع العلماء في بعض الأمور: هل هو من باب القرب والعبادات، أم لا؟ سواء كان من باب الاعتقادات القولية أو من باب الإرادات العملية، حتى قد يرى أحدهم واجبًا ما يراه الآخر حرامًا، كما يرى بعضهم وجوب قتل المرتد ويرى آخر تحريم ذلك"(3).
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن إبراهيم النخعي أنه قال في المرتد: "يستتاب أبدًا"(4)، وقد علق عليه ابن قدامة بقوله:"وهذا يفضي إلى أن لا يقتل أبدًا"(5)(6).
(1) البخاري (رقم: 6484)، مسلم (رقم: 1676).
(2)
المحلى (12/ 116).
(3)
الفتاوى الكبرى (4/ 247).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (10/ 166)، والبيهفي في السنن الكبرى (8/ 197).
(5)
انظر: المغني (9/ 18).
(6)
ويرى بعض أهل العلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرى أن المرتد يحبس أبدًا، ولا يقتل لما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نفرا من بكر بن وائل ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين، فقتلوا في القتال، فلما أتيت عمر بن الخطاب بفتح تستر قال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال: قلت: عرضت في حديث آخر لاشغله عن ذكرهم، قال: ما فعل النفر من بكر بن وائل؟ قال: قلت: قتلوا يا أمير المؤمنين، قال: لو كنت أخذتهم سلمًا كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وما كان سبيلهم لو أخذتهم إلا القتل، قوم ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالشرك؟
قال: كنت أعرض أن يدخلوا في الباب الذي خرجوا منه، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، وإن أبوا =
كما نقل ابن حزم عن طائفة من السلف أن المرتد تؤخذ منه الجزية، وأبطل الإجماع في المسألة حيث قال:"فإن ادعوا أن المرتد لا تقبل منه جزية، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يسترق إجماعًا، دل ذلك على جهل من ادعى ذلك أو كذبه، فقد صح عن بعض السلف أخذ الجزية منهم، وعن بعض الفقهاء أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ، وأبو حنيفة وأصحابه يقولون: إن المرتدة إذا لحقت بأرض الحرب سبيت واسترقت ولم تقتل"(1).
وقد نقل ابن حزم القول بأخذ الجزية عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز (2).
• دليل المخالف: استدل المخالف لمسألة الباب بأدلة منها:
1 -
قصة ذي الخويصر الخارجي الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد خالد بن الوليد، وفي بعض الروايات عمر بن الخطاب، أن يقتله، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (3).
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن ثمة منافقين في عهده، ومع ذلك فلم يقتل واحدًا منهم.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف فيه عن بعض السلف.
= استودعتهم السجن".
والذي يظهر أنه ليس مراد عمر بن الخطاب بذلك إبطال القتل بالردة، والحكم بالسجن حتى يسلموا أو يموتوا، وإنما أراد استيداعهم السجن حتى يتوبوا فإن لم يتوبوا قتلوا، كما بيَّن ذلك ابن عبد البر في "الاستذكار"(7/ 153 - 154)، وموجب هذا التاويل أن ثمة آثارا عن عمر رضي الله عنه تدل على استتابة المرتد ووجوب قتله، كما في "مصنف عبد الرزاق"(10/ 165)، و"سنن البيهقي الكبرى"(8/ 207)، "المحلى"، وصحح ابن حزم الأثر عن عمر بقتل المرتد.
(1)
المحلى (12/ 34).
(2)
المحلى (12/ 34).
(3)
انظر: المحلى (12/ 127 - 165).