الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثانى مسائل الإجماع في صفة حد قطاع الطريق
[20/ 2] المسألة العشرون: قاطع الطريق إذا قتل فإنه يقتل حدًا، وقتله متحتم لا يدخله عفو
.
• المراد بالمسألة: لو أن قاطع الطريق الذي تطبق عليه حكم الحرابة قتل في الحرابة مسلمًا أو معاهدًا، مكافئًا له، وليس بينه وبين القتيل عداوة، فإنه يقتل حدًا، وليس للإمام أو أولياء المقتول العفو.
ويتبين مما سبق أن قاطع الطريق لو كان ممن لا ينطبق عليه حكم الحرابة كالحربي، أو الباغي، أو كان قتل في حرابته غير مسلم أو معاهد، أو قتل من ليس مكافئًا له. كأن يكون المحارب حرًا ويقتل عبدًا، أو كان بينه وبين المقتول عداوة، أو كان قتله في حرابته غيلة، فكل ذلك ليس داخلًا في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن أمر المحارب إلى السلطان، وإن قتل المحارب أخا امرئ أو أباه في حالة المحاربة أن عفو طالب الدم لا يجوز في حالة المحاربة"(1)، ونقله عنه ابن تيمية (2)، وابن قاسم (3).
وقال الطحاوي (321 هـ) بعد أن ساق حديث العرنيين: "لا اختلاف بين أهل العلم فيما يقام على من كان منه مثل الذي كان من أولئك القوم أنه حد اللَّه عز وجل للمحاربة التي كانت، لا حقٌّ للذين حوربوا بها، وأن الذين حوربوا بها لو عفا أولياؤهم عما كان أتى إلى أصحابهم، أن عفوهم باطل"(4).
وقال ابن العربي (543 هـ): "لا خلاف في أن الحرابة يُقتل فيها من قَتل"(5) وقال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا أن من قتل وأخذ المال منهم وجب عليه إقامة
(1) الإجماع (111).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (28/ 310).
(3)
حاشية الروض المربع (7/ 379).
(4)
مشكل الآثار (2/ 72).
(5)
أحكام القرآن (/ 101).
الحد، وأنَّ عفو ولي المقتول أو المأخوذ منه ماله غير مؤثر في إسقاط الحد" (1).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "إذا قتل وأخذ المال، فإنه يقتل ويصلب، في ظاهر المذهب، وقتله متحتم لا يدخله عفو، أجمع على هذا كل أهل العلم"(2). وقال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف في أن الحرابة يقتل فيها من قتل"(3).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وإذا قَتل وأخذ المال فإنه يقتل ويصلب في ظاهر المذهب، وقتله متحتم لا يدخله عفو، أجمع على هذا كل أهل العلم"(4). وقال ابن تيمية (728 هـ): "فمن كان من المحاربين قد قتل، فإنه يقتله الإمام حدًا، لا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء. . . ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول، بخلاف ما لو قتل رجل رجلًا لعداوة بينهما أو خصومة أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة، فإن هذا دمه لأولياء المقتول. . . لأنه قتله لغرض خاص، وأما المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، فضررهم عام بمنزلة السراق فكان قتلهم حد للَّه، وهذا متفق عليه بين الفقهاء"(5).
وقال ابن قاسم (1392 هـ): "إذا كان مع الرجال في قطع الطريق امرأة فقتلت هي وأخذت المال تقتل حدًا، وكذا الرقيق، فأي شخص من هؤلاء قتل مكافئًا له قتل إجماعًا"(6).
• مستند الإجماع: استُدل لهذه المسألة بأدلة منها:
1 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "خرجت جارية عليها أوضاح (7) بالمدينة،
(1) الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 217).
(2)
المغني (9/ 126).
(3)
تفسير القرطبي (6/ 154)، وانظر:(6/ 156).
(4)
الشرح الكبير (10/ 306).
(5)
مجموع الفتاوى (28/ 311).
(6)
حاشية الروض المربع (7/ 378)، وانظر:(7/ 379)(7/ 383).
(7)
الأوضاح: نوع من حلي الفضة، سمي بذلك لبياضه. انظر: غريب الحديث لابن سلام (3/ 188)، فتح الباري (12/ 199).
فرماها يهودي بحجر، فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فأعاد عليها، قال:(فلان قتلك)؟ فرفعت رأسها، فقال لها في الثالثة:(فلان قتلك)؟ فخفضت رأسها، فدعا به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقتله بين الحجرين" متفق عليه (1).
2 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن ناسًا من عرينة قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا"(2).
• وجه الدلالة من الحديثين: أنه ليس في الحديثين ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم خير أولياء المرأة بين القصاص أو الدية أو العفو.
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دين اللَّه أحق أن يقضى)(3).
4 -
عن عائشة رضي الله عنها -في قصة عتق بريرة- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (قضاء اللَّه أحق وشرط اللَّه أوثق)(4).
• وجه الدلالة من الحديثين: ما قاله ابن حزم: "فلما اجتمع حقان أحدهما للَّه، والثاني لولي المقتول كان حق اللَّه تعالى أحق بالقضاء، ودينه أولى بالأداء"(5).
5 -
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم
(1) صحيح البخاري (رقم: 2282)، وصحيح مسلم، (رقم: 1672).
(2)
البخاري (رقم: 231)، مسلم (رقم: 1671)، واللفظ له.
(3)
صحيح البخاري (رقم: 1852)، وصحيح مسلم (رقم: 1148).
(4)
صحيح البخاري (رقم: 2060)، وصحيح مسلم (رقم: 1503).
(5)
المحلى (12/ 289).
يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة) (1).
• وجه الدلالة: الحديث صريح على أن دم الإنسان معصوم إلا إذا أحدث أحد الأمور الثلاثة، وهو عام لقطاع الطريق وغيرهم (2).
6 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قطاع الطريق: "إذا قتلوا وأخذوا المال قُتلوا وصُلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ولم يُصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا طُلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا نُفوا من الأرض"(3).
7 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وادع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بردة هلال بن عويمر الأسلمي (4)، فجاء أناس يريدون الإسلام، فقطع عليهم أصحاب أبي بردة الطريق، فنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال صُلب، ومن قتل ولم يأخذ المال قُتل، ومن أخذ مالًا ولم يقتل قُطعت يده ورجله من خلاف، ومن جاء مسلمًا هَدَم الإسلام من كان في الشرك"(5).
(1) البخاري (رقم: 6484)، مسلم (رقم: 1676).
(2)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 98)، المحرر الوجيز (3/ 452)، المغني (9/ 125).
(3)
أخرجه الشافعي في "الأم"(6/ 165)، البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 283)، البغوي في "شرح السنة"(10/ 251).
(4)
هو أبو بردة، هلال بن أبي هلال الأسلمي عداده في الصحابة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز التضحية بالجذع من الضأن أضحية. انظر: الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 2/ 342، الإصابة 6/ 549، تهذيب التهذيب 11/ 84.
(5)
هذا الأثر -بعد البحث- لم أجد له تخريجًا في شيء من السنن أو المسانيد أو المصنفات الحديثية، لكن استدل به جملة من الفقهاء في كتبهم، منهم السرخسي في "المبسوط"(9/ 134)، وابن قدامة في "المغني"(9/ 126)، وابن الهمام في "فتح القدير"(5/ 425).
قال ابن قدامة بعد ذكره للأثر: "قيل: إنه رواه أبو داواد، وهو كالمسند".
8 -
من جهة النظر:
أ - أن الشرع الحكيم قد خالف بين العقوبات -غلظة وخِفَّة- باختلاف أسبابها الموجبة لها، والقول بالتخيير في آية الحرابة وأن من قتل فقد يأخذ أشد العقوبات، ومن أخاف السبيل فقط قد يأخذ أشد العقوبات، لا يناسب حكمة الشرع وعدله، بل فيه تناقض ظاهر (1)، وقد أكد اللَّه تعالى على ذلك بقوله سبحانه:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (2).
ب - أن المستقرئ لكتاب اللَّه تعالى يرى أنه سبحانه يذكر العقوبات بالبداءة بالأغلظ فيما أريد به الترتيب، كما هو الحال في كفارة الظهار، والجماع في نهار رمضان، وغيرها، بخلاف العقوبة التي ترد على وجه التخيير فإنه تُبدأ بالأخف كما هو الحال في كفارة اليمين، وعقوبة الحرابة قد بُدئ فيها بالأغلظ فيكون المراد بها الترتيب (3).
ج - أن حد الحرابة حق للَّه تعالى، كسائر الحدود، والحدود لا تسقط بالعفو بعد بلوغها للحاكم (4).
• المخالفون للإجماع: خالف طائفة من السلف فقالوا: الإمام مخير في حد الحرابة، لا يتحتم عليه القتل (5). وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والحسن، والضحاك (6)، . . .
(1) انظر: الحاوي الكبير (13/ 353 - 354)، المبسوط (9/ 135).
(2)
سورة الشورى، آية (40).
(3)
انظر: الحاوي الكبير (13/ 353 - 354)، تحفة الحبيب (4/ 230)، المغني (9/ 125)، المبدع (9/ 147).
(4)
المغني (9/ 126).
(5)
انظر: المغني (9/ 126).
(6)
هو أبو القاسم، الضحاك بن مزاحم البلخي، الهلالي، الخراساني، مفسر، ومحدث، حدث عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وغيرهم، وثقه أحمد بن حنبل وابن معين، وضعفه يحيى القطان وغيره، توفي بخراسان سنة (102) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 598، طبقات المفسرين 10، الثقات لابن حبان 6/ 480.
والنخعي، وأبو الزناد (1)، وأبو ثور، وداود (2).
وذهب بعض الشافعية إلى أن المحارب لا يتحتم قتله مطلقًا إذا قَتل، وإنما إن قَتل لأخذ المال تحتم قتله، وإلا فلا (3).
وذهب ابن حزم إلى أن الولي مخيَّر في دمه وله العفو، وأن قتله هو من باب القصاص (4).
• دليل المخالف: أما من ذهب إلى أن الإمام مخير لا يتحتم عليه القتل فلأن آية الحرابة جاءت بلفظ "أو" في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (5)، والأصل أن "أو" تأتي للتخيير، لا للترتيب.
وأما عفو أولياء دم من قُتل حرابة فاستدل له ابن حزم بعموم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتح اللَّه عز وجل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: (إن اللَّه حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسولها والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفَّر صيدها، ولا يختلي شوكها (6)، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير
(1) هو عبد اللَّه بن ذكوان، كنيته أبو عبد الرحمن، وأبو الزناد لقب غلب عليه، وكان يغضب منه، ثقة، كثير الحديث، كان فصيحًا، بصيرًا بالعربية، كاتبًا، فقيهًا، عالمًا، ولي خراج المدينة، قال أحمد بن حنبل:"كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث"، مات سنة (130) هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 1/ 134، سير أعلام النبلاء 5/ 445، تهذيب التهذيب 5/ 204.
(2)
انظر: المغني (9/ 126).
(3)
انظر: الغرر البهية (5/ 102).
(4)
انظر: المحلى (11/ 180).
(5)
سورة المائدة، آية (33).
(6)
المراد بـ "يختلى": أي يؤخذ ويقطع. انظر: شرح النووي (9/ 125)، الصحاح (7/ 182).
النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل) متفق عليه (1)، ومعلوم أن الفداء لا يكون إلا بعد العفو.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل اتفاق بين المذاهب الأربعة على وجوب القتل (2)، لكنها ليست محل إجماع بين أهل العلم.
(1) صحيح البخاري (رقم: 112)، وصحيح مسلم (رقم: 1355).
(2)
وقد نسب ابن حزم هذا القول للأئمة الأربعة حيث قال في المحلى (12/ 288 - 289) في كلامه على حد الحرابة: "مسألة: هل لولي المقتول في ذلك حكم أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا الحسن بن سعد نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: إن في كتاب لعمر بن الخطاب والسلطان ولي من حارب الدين وإن قتل أباه، أو أخاه فليس إلى طالب الدم من أمر من حارب الدين وسعى في الأرض فسادًا شيء. وقال ابن جريج: وقال لي سليمان بن موسى مثل هذا سواءً سواءً حرفًا حرفًا.
وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: عقوبة المحارب إلى السلطان لا تجوز عقوبة ولي الدم ذلك إلى الإمام قال وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبي سليمان وأصحابهم.
قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول".
وفي موضع آخر لابن حزم ذكر خلاف أهل العلم في هل لولي المقتول غيلة أو حرابة حق العفو، ورجح أن لأولياء المقتول العفو، ونسب هذا القول لأبي حنيفة والشافعي، كما في المحلى (11/ 180 - 184).
وإنما ذكرتُ ذلك للتنبيه على أن ما ذكره ابن حزم فيه تردد، وليس مذهب الحنفية والشافعية أن لولي الدم العفو في حد الحرابة، ويتبين ذلك فيما يلي:
أولًا: مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن من قتل في الحرابة فقتله حد لا يسقطه عفو الأولياء أو الإمام، وقد نص على هذا جماعة من الحنفية منهم أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن"(2/ 577)، والسرخسي في "المبسوط"(9/ 196 - 197)، والكاساني في "بدائع الصنائع" (7/ 95) حيث قال: "لا يحتمل -أي حد الحرابة- العفو، والإسقاط، والإبراء، والصلح عنه، فكل ما وجب على قاطع الطريق من قتل، أو قطع، أو صلب يستوفى منه، سواء عفا الأولياء وأرباب الأموال عن ذلك أو لم يعفو، أو سواء أبرءوا منه، أو صالحوا عليه، وليس للإمام أيضًا إذا ثبت ذلك عنده تركه، وإسقاطه، والعفو عنه؛ لأن الواجب حد، والحدود حقوق اللَّه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تبارك وتعالى فلا يعمل فيها العبد، ولا صلحه، ولا الإبراء عنها".
لكن ذكر بعض الحنفية أن ثمة رواية بأن المحارب إن قتل ولم يأخذ المال فإنه يقتل قصاصًا، وعلى هذه الرواية فإن للأولياء العفو، حيث جاء في الفتاوى الخانية قوله:"وإن قتل ولم يأخذ المال يُقتل قصاصًا، ولا يُفعل به غير ذلك".
ولعل هذه الرواية هي التي جعلت ابن حزم ينسب القول للحنفية بأن المحارب لولي الدم العفو عنه، إلا أن الحنفية قد تعقبوا هذه الرواية فقال ابن الهمام في فتح القدير (5/ 423):"في فتاوى قاضي خان: "وإن قتل ولم يأخذ المال يقتل قصاصًا"، وهذا يخالف ما ذكرنا، إلا أن يكون معناه إذا أمكنه أخذ المال فلم يأخذ شيئًا ومال إلى القتل".
أما ابن عابدين فلم يرتض تأويل ابن الهمام، حيث قال في "رد المحتار" (4/ 114) بعد أن ساق قول ابن الهمام:"لكن ما أَوَّل به عبارة الخانية بعيد، والأقرب تأويلها بأن المراد بقوله "ولم يأخذ المال": أي النصاب، بل أخذ ما دونه"، ويهذا يتبيَّن أن مذهب الحنفية أن المحارب إن قَتل فإنه يقتل وليس لأولياء الدم العفو.
ثانيًا: مذهب الشافعية: أما مذهب الشافعي فقد نص عليه في "الأم" على ما قاله ابن حزم، حيث قال في "الأم" (7/ 349):"كل من قتل في حرابة، أو صحراء، أو مصر، أو مكابرة، أو قتل غيلة، على مال أو غيره، أو قتل نائرة، فالقصاص والعفو إلى الأولياء، وليس إلى السلطان من ذلك شيء إلا الأدب إذا عفا الولي".
لكن ثمة نصوص أخرى عن الشافعي تدل على أن عفو الأولياء غير معتبر بعد ثبوت حد القتل بالحرابة حيث قال في "الأم"(6/ 165) في معرض كلامه على المحاربين: "إن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه، وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل".
وقال في موضع آخر: "ومن عفا الجراح كان له، ومن عفا النفس لم يحقن بذلك دمه، وكان على الإمام قتله إذا بلغت جنايته القتل" الأم (8/ 372).
وقال في موضع آخر: "وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو؛ لأن اللَّه حدهم بالقتل، أو بالقتل والصلب، أو القطع ولم يذكر الأولياء، كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال:{. . . وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [الإسراء: 33]، وقال في الخطأ:{. . . وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92]، وذكر القصاص في القتلى ثم قال:{. . . فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]، فذكر في الخطأ =